إلى أيّ مدى يمكن القول بأن ثقافة ما حاملة لقيم كونية

   إلى أيّ مدى يمكن القول بأن ثقافة ما حاملة لقيم كونية؟
العمل التحضيري
مرحلة الفهم :
مبحث الموضوع: الثقافة والكونية/علاقة الثقافة الكونية بالخصوصية/الهوية الثقافية والكونية.
المفاهيم المركزية:
الثقافة: هي نمط عيش مجتمع ما وتشمل أسلوب حياة الشعب ومحيطه الفكري ونظرته إلى الحياة وتكون نابعة من ظروفه واحتياجاته وبيئته الجغرافية. لذلك نسمّي ثقافة هذا الكلّ الذي يشمل العادات الفنية والدينية والفلسفية وكلّ الأشكال المكتسبة لسلوك مجموعة أفراد
هذا يعني أن ما يميز الثقافة هو تنوعها بتنوع الشعوب وتساوي في مستوى القيمة
القيم: هي كلّ ما يمكن أن نرغب فيه لا ما نرغب فيه فقط، فالقيمة من جهة ارتباطها بالرغبة لها بعد ديناميكي، فما أرغب فيه له قيمة وما لا أرغب فيه لا قيمة له، ولكنّ للقيمة أيضا بعد استاتيكي ثابت،إذ هي مثالي بما أنها ما يجب أن يكون موضوع رغبة كلّ الناس وذلك هو شأن القيم الإنسانية الثابتة التي تفرض نفسها  بصفة مطلقة وبقطع النظر عن كلّ مصلحة خاصة مثل الخير والعدالة والصحة والثقافة.
← البعد الستاتيكي للقيمة يرتبط بالقيم الكونية أو هو الجانب الكوني للقيمة.
الكوني: هو ما يتسع لكل شيء وما يشمل كلّ الناس بقطع النظر عن ثقافتهم الخاصة.
← المشكل متأتي إذن من التقابل بين معنى الثقافة بما تعنيه من خصوصية وهويّة ومعنى القيم الكونية بما تحمله من اطلاقية تجعلها "تفرض" نفسها على كلّ الثقافات الأخرى وبالتالي كيف يمكن لما هو خصوصي أن يحمل ما هو مطلق؟قيم تفرض نفسها على كلّ الثقافات الأخرى دون أن تكتسبها في سيرورة التجاوز التي تمكن شعبا ما من التحرّر ولو جزئيا من خصوصياته؟
 يتعلق الأمر إذن في الموضوع  بالبحث عن نوع من المصالحة بين التنوع والكونية قي سيرورة ثقافية خاصة تكتسب وتمرّر عناصر جديرة بأن تنتمي لحضارة كونية دون أن تقضي على التنوع وتطمسه مثلما هو حال العولمة.
أطروحة الموضوع:
إن ثقافة ما يمكن أن تكون حاملة لقيم كونية.
الأطروحة المخالفة:
إنّ ادّعاء ثقافة ما امتلاكها لقيم كونية يؤدّي إلى اغتراب الكوني.
الإشكالية:
هل أن ثقافة ما يمكن أن تكون حاملة لقيم كونية أم أن ذلك يؤدي إلى اغتراب الكوني؟

مرحلة التخطيط:
        التحليل:
تحليل أطروحة الموضوع و ذلك بـ :
إبراز النسبية الثقافية و تساوي الثقافات من حيث القيمة.
إبراز شروط تحول خصائص ثقافة ما إلى خصائص كونية:
تحقق ظروف سياسية تشارك في قيم يمكن إن تكون موضوع رغبة كلّ إنسان.
تربية المواطن في الاتجاه الذي يجعله أمينا على القيم التي تحملها الثقافة.
           النقاش:
المكاسب:
تثمين هذا الموقف من جهة كونه يحول الكوني من مجرّد مفهوم متعالي إلى واقع معيش ( هيغل).
تثمين المصالحة بين الكونية و التنوع الثقافي.
الحدود : تنسيب أطروحة الموضوع و ذلك بإبراز :
إمكان ادعاء ثقافة ما للكونية ( العولمة).
الخوف من إن تسعى هذه الثقافة إلى فرض قيمها بالقوة.
         الانتهاء إلى الإقرار بان ثقافة ما يمكن إن تكون حاملة لقيم كونية لكن بشرط التسامح مع اختلاف الثقافات الأخرى و احترام خصوصية الشعوب خاصة و أنّ إقرار كونية شرف الإنسانية ليس متناقضا مع التنوع الثقافي.
التأليف
          «إنّ البربري هو من لا يعترف بإنسانية الآخر»: هكذا تحدث كلود لفي ستراوس على مرض المركزية الإثنية مشيرا إلى أولئك اللذين عند ملاقاتهم للآخر الذي لا يشبههم لا يرون في عاداته و اختلافه إلا انحطاطا للإنساني ووحشية لا تليق بذاتهم "الشريفة"، و كأن صفة الإنسانية توقفت مع حدودهم الجغرافية. و مثل هذه العقيدة تلغي قبليا كل إمكان لقاء إنساني يؤسس قيم إنسانية كونية تتجاوز كل خصوصية, مثل هذه العقيدة تنفي كل أمل في بناء تمثّل لإنساني يكون صالحا لكل الناس. لكن رغم ذلك هناك من المفكرين المتفائلين اللذين أقرّوا بأن ثقافة ما يمكن أن تكون حاملة لقيم كونية. و لكن إذا كان الإنسان مشكّلا بثقافته، و إذا كانت الثقافات تقدم في المكان و الزمان إجابات مختلفة على المشاكل التي تعترض الإنسان فكيف يمكن إن ننتمي إلى خصوصية ما دون إن يؤدي ذلك إلى خسران الكوني؟ ثم ما هي الاعتراضات التي يضعها التنوع الثقافي أمام مشروع تحديد إنساني كوني أم انه علينا إن نفكر في الإنسان في واقعه العيني و لا بحسب الكوني؟ أليس هناك زاوية نظر متعالية تمكننا من التفكير في شرف الإنسان بطريقة كونية غير قابلة للاغتراب؟
          إن واقع الثقافات هو واقع التنوع و الاختلاف فالإنسانية تتطور في ضروب متنوعة من المجتمعات و الحضارات, وهو تنوع ليس مرتبطا بأي حتمية بيولوجية بل بواقع جيواجتماعي تاريخي. و هكذا فان ثقافة ما لا تستطيع أن تقيم ثقافة أخرى بما أن كل ثقافة تمثل طريقة معينة لحل مشاكل الإنسان فلا تمتلك أي ثقافة معايير مطلقة أو أدوات قيس تجعلها قادرة على الحكم على الثقافات الأخرى. فالثقافة هي الكل الذي يشمل العادات الفنية و العلمية و الدينية و الفلسفية و كل الأشكال المكتسبة لسلوك مجموعة أفراد، و ما يميز الثقافة هو تنوعها بتنوع الشعوب و بالتالي تساويها في مستوى القيمة إذ أن بنية ثقافة ما تبقى نسبية. و من منطق الاختلاف هذا قد يبدو انه من المستحيل بالنسبة إلى ثقافة ما أن تتقدم كمالكة لمعايير مطلقة تفرض نفسها على كل ثقافة. لكن ذلك لا يمنع ثقافة ما من أن ترتفع على ذاتها في حركة تجاوز بالنسبة لخصوصياتها, حركة تقودها نحو قيم كونية توجه فعلها.
          و ذلك ليس مستحيلا بما إن الكوني يقال كفردي وهو ربما ما جعل "هيقل" يقر " إن الكوني ليس إلا عملية تضمين للفردي"، ذلك أن الثقافة في توجهها المطلق عند "هيقل" هي نقطة التحول المطلق نحو الروحاني السامي إلى شكل الكونية. فبفضل الثقافة تستطيع الإرادة الذاتية اكتساب الموضوعية داخل ذاتها فتكون قادرة و جديرة بان تحقق الواقع الفعلي للفكرة بما هي المطلق. و الكوني بهذا المعنى هو الذي يحدد مواقف الذات وهو ما يعني إن الجدلية المركزية للكوني عند " هيقل" هي جدلية الفكرة ذاتها و لذلك ليس هناك أي تغيير كوني ممكن للخصوصية كخصوصية. وهكذا فإنه إذا لم تكن الكونية حاصلة عن تطور الخصوصية كخصوصية فان ذلك لا يمنع ثقافة ما من إن تكسب خاصية أو أكثر من خاصية تجعلها تحمل قيم كونية.
          فعندما تحقق ثقافة ما ظروفا سياسية تشارك في قيم يمكن إن تكون موضوع رغبة كل إنسان يمكن أن تنتشر هذه القيم عبر التلاقح الحضاري، على شرط أن لا تنسى هذه الثقافة أنها لم تخلق هذه القيم و إنما اكتشفتها في ذات وقت اكتشافها للحرية بفضل العقل. فبهذه الكيفية تكون قادرة على تجاوز الخصوصية و تنفتح على كل الناس لان الثقافات تعيش صيرورة و الإنسان هو قبل كل شيء تاريخ سواء على المستوى الفردي أو الجماعي لذلك فان النسق الثقافي لا يمتد فقط في المكان من شعب إلى آخر و لكن أيضا في الزمان من فترة إلى أخرى و ليس هنالك ثقافة مثلما يذكرنا "شتراوس" بذلك قادرة على إن تقدم أجوبة نهائية، لذلك فان اكتساب قيم كونية يقتضي في ذات الوقت الإقرار بان كل الثقافات لها نفس القيمة.
          يتعلق الأمر إذن بتربية المواطن في الاتجاه الذي يجعله أمينا على هذه القيم التي تحملها ثقافته فيكون فعلا شاهدا عليها، خاصة و أن مبدأ تساوي كل الثقافات في القيمة يمثل في حد ذاته علامة تسامح و احترام لكل الشعوب، ثم إن التلاقح الثقافي مثلما بين ذلك "شتراوس" هو شرط تطور المجتمعات و الثقافة المنغلقة على ذاتها يكون مآلها الموت, لذلك كان "شتراوس" قد استخلص إن لقاء الثقافات قد يؤدي إلى نتيجتين فإما إن يؤدي إلى تصدع و انهيار نموذج ثقافي، و النموذج المنهار مثلما يشهد التاريخ على ذلك، هو نموذج منغلق على ذاته، كذلك شأن حضارة الأنكا في البيرو التي انهارت أمام الغازي الاسباني من فرط خصوصيتها, و إما إن يؤدي إلى تأليف أصيل بمعنى ولادة نموذج جديد لا يمكن اختزاله في النموذجين السابقين, ذلك هو الشأن مع الثقافات المتفتحة مع بقية الثقافات.
        و هكذا فان إقرار كونية شرف الإنسانية لا يبدو متناقضا مع الاعتراف بالتنوع الثقافي خاصة إن "شتراوس"' بين في دراساته الانثروبولوجية أن التلاقح بين الثقافات لا يقضي على التنوع و إنما يدعمه. لذلك كان كانط قد نظّر إلى إمكان تحقق كوني إنساني يتأسس في شكل حق سياسي كوني يحقق السلم الدائمة بين الشعوب و الدول المختلفة، و الإنسانية يمكن إن تستفيد من التجارب المختلفة للشعوب خاصة و إن العقل هو ميزة كونية للإنساني الذي يمكن على أساسه إن تكتسب ثقافة ما قيما كونية، كذلك هو حال الديمقراطية و حقوق الإنسان في الثقافة الغربية في القرن 18 و 19 كقيم كونية أنتجتها هذه الثقافة.
         يمكن القول إذن إن ثقافة ما قابلة لأن تكون حاملة لقيم كونية وهو موقف يمكن تثمينه من جهة كونه يفتح على مصالحة بين ما هو خصوصي و ما هو كوني، خاصة و إن الإقرار بان احترام الخصوصيات هو ذاته يمكن إن يكون قيمة كونية ثم إن الكوني لا يتقدم كتقنين للخصوصي أو للاختلافات و لكن كفرادة تملصت من المحمولات الهووية، رغم كونها تشتغل في هذه المحمولات. و لكن ماذا لو نزعت ثقافة ما لادعاء الكونية, هل يمكن إن نقول عندها إن الكوني واحد بالنسبة للكل ؟ هل يمكن إن نقول عندها إن الانخراط في الكلي لا يرتبط بأي تحديد خصوصي؟
          ذلك هو احد المزالق الممكنة للإقرار بكون ثقافة ما حاملة لقيم كونية, فالكوني قد يفسد عندما يتحقق مثلما اقر ذلك "بودريار" , أليست العولمة هي الشكل الذي تحقق فيه الكوني الذي نظرت له الحداثة الغربية, الم تصبح الحرية والديمقراطية و حقوق الإنسان كقيم كونية مثلها مثل البضائع التي تمرر دون اعتبار للحدود, أليست العولمة تعبيرا عن فشل ثقافة ما في تمرير قيم كونية إلى الثقافات الأخرى, فالعولمة تجسد اغتراب الكوني, إذ تمثل انفتاح هوية ما نحو الهيمنة و بالتالي تمثل خطرا على الإنساني. ثم إن الإقرار بان ثقافة ما يمكن إن تكون حاملة لقيم كونية قد يتضمن خطرا ثانيا هو خطر فرض هذه القيم بالقوة, فالعمل على نشر الحرية مثلا بواسطة الحرب لا يمثل علامة لانتصار الكوني بل هو علامة خسران الإنساني.
          و هكذا يمكن القول بان ثقافة ما يمكن إن تكون حاملة لقيم كونية و لكن مع ضرورة الاحتراس من اغتراب هذا الكوني و الوقوع في موقف شعوبي بحيث تدعي خصوصية ما الكونية و تنحى إلى الهيمنة باستعمال القوة فتقضي على الاختلاف و التنوع بما هو شرط الكوني لذلك لابد من إقرار حق الاختلاف كواقع فعلي معيش لا كمجرد شعار نتبجح به في المنابر و الخطابات، و زاوية النظر المتعالية التي تمكننا من التفكير في شرف الإنسان بطريقة كونية عليها أن تأخذ بعين الاعتبار مخاطر اغتراب الكوني حتى نضمن فعلا السلم الدائم و نحقق الكوني في ذات الوقت الذي نحافظ فيه على التنوع و الاختلافات الثقافية.


للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم