الأنا
والآخر عند سارتر
ليس الإنسان عضوية بيولوجية خاضع لقوانين طبيعة
ونفسية بل هو شخص ذاتى أوكيان عاقل يمتلك ارادة وحرية ومسؤولية عن أفعاله, لكنه في
نفس الوقت يتفاعل بالضرورة مع محيطه الإجتماعى والبيولوجى والنفسى والحضارى وهذا
التفاعل الديناميكي المتغير والمتعدد الأبعاد هومايفسر البعد العلائقي للوجود الإنساني
أي إدراك ضرورة الآخر لوجود الأنا واكتشافه لنفسه سواء كان هذا الأنا هو الآخر
الفردي أو الجماعي وبحكم هذه الضرورة نحن ملزمون بفهم هذه العلاقة أي بمعرفة الآخر
من أجل التواصل والتعامل معه. هذه المفارقة هي بالضبط جوهر اشكالية الآنا والآخر, اشكالية
الهوية والإختلاف حيث يمكن صياغتها فى التساؤلات التالية: اذا كان الغير هونفسه أنا
فكيف يمكن معرفته? ألا تطرح معرفته مشكلة تشييئ الغير وتحويله إلى موضوع فاقد
لكيانه وحريته ما دام كل معرفة تقتضي طرفين ذات وموضوع? هل أن معرفة الغير اقصاء
له أم تواصلا معه?
يطرح سارتر العلاقة المعرفية بين الأنا و الآخر في إطار
فينومينولوجي (ظاهراتي) متأثرا في ذلك ب " هوسرل " فالآخر في اعتقاد
سارتر " هو ذلك الذي ليس هو أنا، ولست أنا هو ". وفي حالة وجود علاقة
عدمية بين الأنا والآخر، فإنه لا يمكنه " أن يؤثر في كينونتي بكينونته
"، وفي هذه الحالة ستكون معرفة الآخر غير ممكنة.
لكن بمجرد الدخول في علاقة معرفية مع الآخر
معناه تحويله إلى موضوع (أي تشييئه) : أي أننا ننظر إليه كشيء خارج عن ذواتنا
ونسلب منه جميع معاني الوعي والحرية والإرادة والمسؤولية. وهذه العلاقة متبادلة
بين الأنا والآخر : فحين أدخل في مجال إدراك الآخر، فإن نظرته إلي تقيدني وتحد من
حريتي وتلقائيتي، لأنني أنظر إلى نفسي نظرة الآخر إلي ؛ إن نظرة الغير إليّ
تشيئني، كما أن نظرتي إليه تشيّئه. هكذا تبدو كينونة الآخر متعالية عن مجال
إدراكنا ما دامت معرفتنا للغير معرفة انطباعية حسية.
لقد
اتسمت فلسفة سارتر بنظرة سلبية تجاه مسالة معرفة الآخر فهو يرى أن هناك هوة سحيقة
هذه الهوة تجعل معرفة الغير محصورة في معطيات موضوعية خارجية وليست حميمية ذاتية
بل ان تلك الهوة تجعل من الآخر طرفا مضايقا للأنا إنها اذاعلاقة قائمة على السلب
وعلى التوثر لأن كل منهما يحول الأخر الى موضوع لذلك اعتبر سارتر ان الآخر
هوالجحيم. لكن اذا تجاوزنا هذا المنطق الذاتي الإقصائي عند سارتر ثم انطلقنا عكس
ذلك الإعتراف المتبادل بين الأنا والآخر ألا يمكن الإقرار بإمكانية معرفة الغير
والتواصل معه ايجابا?.الجواب نجده بالايجاب عند الفيلسوف ميرلوبونتي الذي ينتقد
سارتر بقوله"ان نظرة الغير لا تحولني
الى موضوع كما لاتحوله نظرتى الى موضوع إلا اذا انسحب كل منا وانطوى داخل طبيعته
المفكرة وجعلنا نظرة بعضنا البعض لا انسانية. فتعليق التواصل بين الاخرلايعني
استحالته وانعدامه شريطة الإعتراف المتبادل". نستنتج مما تقدم ان معرفة الآخر ضرورة انسانية
لاغنى عنها على الرغم من الصعوبات التي تطرحها,على أن هذه التعقيدات تتجاوز اذا
انطلقنا من أن كل معرفة هي بمثابة تأويل. ومن جهة أخرى ,علاقة الأنا بالغير
لاتنحصر في مستوى المعرفة فقط بل هي علاقة مركبة متعددة الأبعاد,علاقة يومية
اقتصادية سياسية عاطفية كما أنها تختلف باختلاف نوع الغير قريب ام بعيد,صديق ام
عدو,مواطن ام غريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق