حول الإنية. نموذج للتدريب على تحليل موضوع

نموذج للتدريب على تحليل موضوع

الموضوع : هل يستوفي العقل إنية الإنسان ؟

/1 -
 مرحلة الفهم أو الكشف :
*
تستوفي: إستوفى ، إستكمل ،إستنفذ و فيهاالوفاء نقول وفّى بدينه ،و استوفى حقه .
 -
العقــــل :هو القيد أو الحد / ملكة التفكير /خاصية إنسانية /البعد الإلهي في الإنسان.
إنية: /تحديد / دلالة /حقيقة
 -الإنســان:حيوان ناطق / كائن عاقل / أرقى الكائنات و أفضلها ...
 /2-
الكشف عن المفاهيم في ضوئها :
-
لو تأملنا دلاليا في هذه المفاهيم و حاولنا حصر معانيها بشكل مدقق كيف يمكن أن نحددها ؟
-
العقل : لغة عقل الدابة شدّ وثاقها ،إنه القيد أو الرباط
إصطلاحا العقل علامة مميزة للإنسانية ،إنه ملكة التمييز بين الحقيقة و الخطأ ، الخير و الشر ...
هذا إضافة إلى أنه يعني التدبرّ و التفكرّ و إسناد الأحكام.
نقيضه :العاطفة و الجنون
ـ إنيةالإنسان :أي ما يجعل من الإنسان هو ..هو أي إنسانا / حقيقته التي بها يتميز و يعرف /ما من خلاله يتحدد الإنسان كإنسان /ماهية شيئ ما هو حده النهائي ،حقيقته المطلقة.
الموضوع إذن يبحث في مدى صحة الإعتبار القائل بأن العقل هو ماهية الإنسان(هل يختزل العقل كل ماهية الإنسان؟).
/3-
ما طبيعة العلاقة بين المفاهيم ؟(و هنا يمكن أن نفصل القول في العلاقات المنطقية )
-
ما طبيعة العلاقة بين المفاهيم ؟
إن العلاقة هي علاقة تطابق إذ أن الذي يسأل عنه الموضوع هو:هل تطابق خاصية العقل إنية الإنسان؟
)
يؤكد ذلك كلمة تستوفي) والتطابق يعني التساوي :هل تساوي إنية الإنسان العقل ؟
 *
إنشغال يتعلق بفهم السؤال المطروح و تحديد المطلوب
 -كيف وردت صيغة الموضوع ؟
 -
ضمن أية خانة يمكن تنزيله ؟
 -
ماذا يختبر الموضوع ؟ ما المطلوب إذن ؟
تحديد الصيغ المختلفة للمواضيع :
 *
مواضيع تتعلق بتحديد مفهوم .
*
مواضيع تتعلق ببيان محدودية اطروحة ما .
*
مواضيع تتعلق ببيان امكانية أطروحة من حيث شروط وجاهتها و من حيث حدودها.
*
مواضيع تتعلق بتحليل مفارقة قصد تجاوز تناقض ظاهري .
*
مواضيع تتعلق بإبراز شروط مشروعية قول ما .
تنزيل الموضوع ضمن إحدى هذه الخانات :
هذا الموضوع يتنزل ضمن الخانة الثالثة .ما الذي يشرع تنزيله ضمنها ؟
أولا : هو يتعلق بأطروحة فلسفية ترى في العقل إنية الإنسان .
ثانيا : صيغة التساؤل "هل ": تبحث في إختبار هذه الأطروحة أي أن تبين امكان وجاهتها و حدودها .
إستخلاص المطلوب :
الموضوع إذن يتعلق بإختبار موقف فلسفي و حتى عامي (مع عدم المماهاة بينهما لأن الموقف الفلسفي موقف مؤسس ( يعتبر العقل إنية الإنسان أي أن إنسانية الإنسان تستنفذ من خلال العقل .
 
/2 - مرحلة التخطيط لــ:
جوهر المقالة
*إنشغال يتعلق بالناحية الإشكالية تفكيكا و بناء
الإجراءات العملية :
 -
كيف يكون هذا السؤال مشكلا ؟ما الذي يثيره فينا ؟ لماذا يجب علينا أن نفكر في هذا
السؤال ؟ ما مقصد البحث فيه ؟ عمّ يراهن الموضوع ؟
-
ما هي الضمنيات التي يستند عليها نص الموضوع ؟ أية تبعات يمكن إستخلاصها إذن ؟
إستخلاص المشكل الفلسفي من السؤال المطروح :
إن الموضوع يتعلق حقيقة الإنسان فهل ما به يكون الإنسان إنسانا هو خاصية العقل فحسب ؟
من الواضح أن الموضوع يختبر مسلّمة التصنيف التفاضلي للكائنات التي تسعى إلى إثبات التميز الإنساني و ربما الشرف الأنطولوجي على بقية الكائنات الأخرى .
إن صح أن العقل هو ما يستوفي إنية الإنسان هل يعني غيابه غياب الإنسان ؟ هل يمكن أن نعتبر من هذا المنطلق أن المريض العقلي (طالما أن العقل يغيبه ) لا ينتمي الى دائرة الإنسانية ؟ ثم هل يمكن أن نعدم جميع خصائص الإنسان الأخرى و نصنفها في هامش "الإنية / المركز" الذي هو هنا العقل ؟ ثم كيف يثبت العقل إنية في إطار التحليل النفسي الذي بين أن العقل أو الوعي ليس إلا خاصية غيابها أكثر بكثير من حضورها ؟
يبدو إذن أن للمسألة تفرعات خطيرة إن على مستوى الوجود أو على مستوى المعرفة إذ الثابت أن المعرفة تبدأمع الحواس و ربما تنتهي فيها أليست صورة العالم كلها مشروطة بفعالية الحواس ؟ .
 -صياغة المشكل صياغة سليمة ببناء عناصره الإشكالية.
-
بيان الوجه الإحراجي فيه .
/1-
إقتراح الإجابة التي يمكن بناؤها حول هذا الموضوع.
/2- إستخلاص اللحظات المنطقية التي يجب على الإجابة أن تتبعها .
 /3-
صياغة هذه اللحظات تساؤليا .
/4-
البحث في الخيط الناظم بينها .
 /1-إقتراح الإجابة التي يمكن إثباتها للسؤال المطروح :
إن العقل لا يمكن أن يستوفي إنية الإنسان . لماذا ؟
لأن إنية الإنسان أشمل من العقل أي أنه لا يمكن أن نتحدث عن تطابق بين العقل و بين إنية الإنسان .
كيف يكون الإنسان أشمل من العقل ؟
لأن له خصائص أخرى إلى جانب خصائص العقل كالجسد مثلا .
 /2-
إستخلاص اللحظات المنطقية التي يجب عليها أن تتّبعها هذه الإجابة :
 -
خاصية العقل تستوفي إنية الإنسان .
 -
محدودية العقل في إستيفاء إنية الإنسان.
-
التساؤل عن إنية الإنسان في ضوء محدودية العقل .
 /3-
صياغة اللحظات تساؤليا :
أ) كيف يستوفي العقل إنيةالإنسان ؟
ب) هل يعني ذلك مماهاة تامة بين العقل و الإنسان ؟ أليس الإنسان أشمل من العقل ؟
ج) أي تعريف للإنسان في ضوء محدودية العقل عن إستيفاء إنيته ؟
كيف يستوفي العقل إنية الإنسان ؟
*يستوفي العقل إنية الإنسان نظرا لأن :
 -
ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات الأخرى خاصية العقل أساسا إذ أن تعريف الإنسان على أساس أنه حيوان عاقل أو ناطق مثلا يثبت أن الإنسان ينتمي إلى مملكة الحيوان على أن الفارق الجوهري الذي به ينفصل عنها هو العقل .  (جنس  + فصل نوعي)
 -
العقل هو الذي يوطد شرف الإنسان أنطولوجيا إذ هو الذي من خلاله يشارف الإنسان مرتبة الألوهية .
 -
العقل هو الذي من خلاله يمارس الإنسان فعالياته المعرفية تفكيرا و فهما و تصنيفا ...
* محدودية العقل أمام إستيفاء إنية الإنسان
إن الحدود التي يمكن رصدها أمام إستيفاء العقل إنية الإنسان هي التالية :
 -
إن العقل أحد خصائص الإنسان و ليس الخاصية الوحيدة التي يمكن أن يعرف من خلالها.
-
غياب العقل لا يعني غياب إنسانية الإنسان.
 -الإنسان لا يمكن أن يحصر ضمن بعد واحد هو العقل ، فالإنسان إنية متكثرة :
إن صح أن الإنسان ليس إنية منغلقة وإنما هو وحدة متكثرة.
 -البحث عن أنتربولوجيا بديلة تكشف عن كل أبعاد الإنسان و لاتحصرها ضمن بعد واحد :
 *الإنسان كائن الرغبة (سبينوزا (*الإنسان كائن تاريخي ، إجتماعي ،ثقافي ، سياسي ....
الإستنتاج الأول : إن كل هذه الخصائص هي التي تجعل من الإنسان إنسانا ،إذ أن إنية الإنسان أي ما به
يكون هو هو لا تعدو أن تكون من هذه الزاوية إلا العقل ذاته لذلك فإنه يعتبر كمال الإنسان و لذلك تستوفي هذه الخاصية كل ماهيته .
فهل يعني ذلك مماهاة تامة بين الإنسان و العقل أليست ماهية الإنسان أشمل من العقل ؟
الإستنتاج الثاني : يتضح إذن من خلال كل ماتقدم أن العقل لا يعدو أن يكون إلا صفة من صفات أخرى متكثرة تتناسج كلها إنية الإنسان فهل من تعريف للإنسان- في ضوء محدودية العقل - يستوفي إنيته ؟
البراهين: مثال أول
برهان بالمماثلة : مثلما أن الغريزة هي التي يعرف من خلالها الحيوان فإن العقل هو الذي يعرف من خلاله الإنسان و يتميز به عن بقية الكائنات الأخرى .ومثلما تتحدد الأفعال الحيوانية إنطلاقا من الغريزة فإن الفعل الإنساني يتحدد من الوعي و من التفكير بحيث يصبح العقل من هذه الزاوية هو الخاصية الجوهرية التي تحدد إنية الإنسان .
برهان إستنباطي : لو تتبعنا الإنسان في مختلف تجلياته العملية و السلوكية لأدركنا أنها تصدر عن وعي و حرية أي أن الفعل الإنساني يتميز عن الفعل الحيواني بخاصية العقل أساسا الأمر الذي يسوّغ لنا اعتبار أن مابه يكون الإنسان إنسانا هو العقل إذ ليست الغريزة مجال تميز لأنها ما يشترك فيه مع الحيوان .
برهان بالخلف : لو كان الإنسان يتحدد في سلوكه و في فعله بضرورة لا يستطيع بحال من الأحوال أن يحيد عنها لاعتبرنا أن الإنسان حينها شبيه الحيوان إن لم يكن سليله ،ولكن لما كان الإنسان يعي فعله قبل أن يقوم به بل ويعي فعله أثناء القيام به ،فإن الثابت حينها تميزه الجوهري عن الحيوان بخاصية العقل وحدها ،إنها ماتشكل إنسانية الإنسان بل إنها ما تستوفي حقيقته .
مثال ثاني :
برهان بالمماثلة :مثلما أن الإنسان كائن العقل فإنه أيضا كائن الرغبة ومثلما أنه يصدر في سلوكه عن وعي وحرية فإن طابع الضرورة فيه متخف حتى و إن وقع حجبه وراء ستار العقل و التفكير .
برهان بالخلف :لو كان الإنسان في فعله يصدر عن وعي وعن تفكير لكان كل سلوكه منزها عن الخطيئة بل و لكان كل تفكيره منزها عن الخطأ لكن الخطأ و الخطيئة من الخصائص التي لا تغيب عن الفعل و عن التفكير الإنساني لذلك تبدو خاصية العقل عاجزة عن إستيفاء ماهية الإنسان كلها (تفكيرا و سلوكا) .
برهان ثالث :
برهان بالمماثلة : مثلما أن الإقرار بلامركزية الأرض إقرار مشكل في الفيزياء الحديثة ،كذلك فإن الإقرار بإفتقاد العقل لخاصيته المميزة التي تجعله الفارق الأنطولوجي بين الإنسان و الحيوان إضافة للإعتبار التقليدي الذي يجعله كل ماهية الإنسان ،إقرار يدفع إلى إيجاد تعريف بإمكانه أن يستوفي ماهية الإنسان .
ما هي المرجعيات التي يمكن توظيفها في حدود العنصر الأول /الثاني ...؟
-
يمكن توظيف المرجعية الفلسفية الديكارتية لأن الديكارتية بينت أن التفكير يحدد إنية الإنسان.
ـ يمكن توظيف المرجعية الفينومينولوجية ، لأن ميرلوبنتي كشف عن انفتاح الوعي على الجسد الذي تحول إلى وسيط بين الإنسان والعالم فأنا أحضر في العالم بواسطتي جسدي وبذلك تحول الجسد إلى محدد لكل إنية الإنسان .
ـ يمكن أيضا توظيف التحليل النفسي إذ أبان عن وجود منطقة خفية هي منطقة اللاوعي هي التي تتحكم في السلوك     و في الفعل .
يمكن توظيف ماركس في هذا المستوى من خلال تأكيده على البعد التاريخي والإجتماعي للإنسان مما يجعل إنية الإنسان إنية.متزمنة.
 مقدمة المقالة:
تمهيد : لقد مثل التفكير في الإنسان الرهان المركزي داخل الخطاب الفلسفي، وذلك بإعتبار أن كل الأسئلة الفلسفية ذات الطابع الأخلاقي والميتافيزيقي ترتدّ إلى سؤال أنثروبولوجي مركزي حول ما الإنسان ، فلقد اعتبر التصور الميتافيزيقي العقلاني أن الإنسان إنية واعية، لكن فلسفات الظنة والإختلاف المعاصرة كشفت أن الأنا الواعية مجرد وهم فإنفتحت الإنية على أفق الغيرية وهو ما يبرّر وجاهة التفكير الفلسفي في حقيقة الإنسان بما هية إنية عاقلة. 
من أجل تأمين المرور بعتبة هذا الإشكال يمكن التسلح ببعض التساؤلات التي قد يكون من شأنها أن تيسّر تنظيم الخطاب في هذه المسألة: فهل تستنفذ حقيقة الإنسان من خلال العقل أم أنها لا تعدو أن تكون إلا بعدا من أبعاده المتكثرة ؟
و هل لا إمكان للحديث عن إنية الإنسان إذا ما ثبتت محدودية العقل في إستيفائها ؟    
خاتمة المقالة :
يتضح إذن أن الإنسان لا يمكن أن يكون إنية مطلقة ، بحيث يبدو من اللامشروع أن نجعل من هذه الإنية أو ذاك إذ لا يمكن للجزئي    (العقل ) أن يشمل الكلي (الإنسان) .
على أن كل ذلك لا يجب أن يغفل ثراء الإنية الإنسانية و إنفتاحها على الغيرية. هذا ما يجعل مشكل الإنسان اليوم أكثر راهنية: كيف نفسرّ اليوم المحاولات التي تزعم إستنساخ الإنية الإنسانية إن على المستوى البيولوجي أو على المستوى النفسي ؟ ألايعني ذلك أن إنية الإنسان هي ما يتشكل في المخابر ؟ و من ثمة أية دلالة في مثل هذا الإطار للمقولات التي تؤكد على الإختلاف و الحرية و الإختيار ؟. /

الأستاذ الشاذلي الكسّابي

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم