مُساهمة
الموضوع:  هل من تناقض بين الدعوة الى قيام الدولة على الحق و اعتمادها على القوة؟

المقدمة طرح المشكل:
 يمكن التمهيد للموضوع ب /
 - بيان التوتر القائم في الدعوة لإنشاء الدولة بين إن تكون ديمقراطية قائمة على قوة القانون أو أن تكون دولة شمولية قائمة على قانون القوة .
 - الإشارة الى ما يشهد عنه الواقع وتحولاته الجيوسياسية من تنازع على مصالح خاصة أو فردية باسم القوة بالاعتماد في ذلك على القوة المفرطة .
 بالسؤال عن ماهية الدولة وأسسها القوة والحق .والسؤال عن هذين الأسين في قيام النظام المدني الحديث يكشف عن مفارقة أم عن تناقض ؟ ما الدولة وأي أساس يمكن تصور قيامها عليه اليوم قوة أم حق ؟ وهل من تناقض بين اعتمادها من ناحية على الحق ومن ناحية أخرى على القوة ؟ أليست الدولة حق يحتاج للقوة أو هي قوة تسوغ باسم الحق ؟أم أن الحق ليس سوى الوجه الأخر للقوة من دونه لا يمكن تصور مفهوم لسيادة حقيقية ؟ ولكن إلا تراهن الدولة في قيامها بما هي جمهورية أو إرادة عامة على الحق والقانون بما هو وضعي بشري ؟ مصدر تشريعها إنسان حر ؟
 الجوهر:
 تحليل الأطروحة بالوقوف : عند دلالة الدولة : بما هي جهاز إدارة مدنية سياسية تقوم على ممارسة سلطة مدنية وضعية من وضع بشري أساسها اختيار إرادي عقلاني حر ما يدعو إلى تأمل أسسها التي قامت عليها منذ التنظير الفلسفي لها سواء عند اليونان أو فلاسفة العقد الاجتماعي ... هذه الأسس هي :الحق والقوة . لحظة أولى : تعارض الحق والقوة . ببيان دلالة الحق من جهة ما هو فعل إرادي بشري هو من الأخلاقية كما بين روسو ينبع من ذات كائن عاقل حر وهو قيمة مشتركة يمكنها ان تكون أساسا للتوافق لذا يكون الحق تواضعيا اتفاقيات. القوة هي قدرة مادية كما بين روسو أي فعل إخضاع وإكراه مادي هدفه تحويل الإنسان الى مشروع أو أداة في مشروع كما بين فايل . ومن ثمة فإن الإقرار بالتعارض يفضي الى تصور نظام سياسي مختلف : ديمقراطي أو شمولي . اعتبار الحق أساسا وحيدا للدولة : دولة القانون – هيقل- لان الإنسان كائن عاقل ومصدر التوافق بينه وبين بني جنسه هو العقل – الأعدل قسمة – ديكارت . لذا لا يختلف فلاسفة العقد – على اختلافهم – في اعتبار العقل وحده أساسا وحيدا للتوافق بين البشر وضامنا لعدم العودة من جديد لحالة الطبيعة ...سبينوزا يقول " و هكذا تكون هذه الدولة أكثر الدول حرية لما اعتمدته قوانينها من العقل القويم لأن كل فرد في هذه الدولة يستطيع متى أراد أن يكون حرا، أي أن يعيش بمحض إرادته مهتديا بالعقل " روسو يرى " إن الانتقال من الوضع الطبيعي إلى الوضع المدني ينشأ في الإنسان تحولا ملحوظا, ... و يجعل أفعاله تكتسي الطابع الأخلاقي الذي كان ينقصها سابقا. حينئذ فقط ..., يجد هذا الإنسان ذاته مجبرا على أن يسلك وفقا لمبادئ أخري, وعلى أن يستشير عقله قبل أن ينصت إلى ميولاته " ..بل الدولة عند هوبز هي" إنسان اصطناعي " إن كل فرد، خارج المجتمع، ليُــفرط في ادّعاء الحق على كل الأشياء إفراطا يمنعه من الإفادة منها، فلا يحوز منها شيئا...و أمــّا في ظل نظام الحكومة، فإن العقل يبسط سلطانه، و يعود السلام إلى العالم، و يــُستتب الأمن العمومي،" وعند هيقل "العقل في ذاته و لذاته" . في الاستدلال على القول بالتعارض : لان الحق من الأخلاقية والقوة قدرة مادية كما بين روسو وعليه فغن القوة لاتضيف شيئا للحق "فالخضوع للقوة فعل من أفعال الضرورة لا الإرادة " روسو – و لأنه لو نسلم بقيام القوة على الحق لغدت القوة هي التي توجد الحق ، و ذلك لا يعني سوى تشريع "لحق الأقوى". ومن ثمة فإن مصدر التشريع الحق هو القانون لا القوة وليست القوة سوى أداة لممارسة الحق وتنفيذه : على ان نميز هنا بين نوعين من القوة : القوة المشروعة والقوة اللاشرعية ..وان القوة التي تعارض الحق هي قوة خارج الحق قوة لا شرعية لا قانونية ..والقوة اللامشروعة لا يمكن أن تنتج غير الاستبداد كما فصله الكواكبي في طبائع الاستبداد : سلطة الحكومة المطلقة العنان – التي لا تقف عند حدود القانون في ممارسة سيدتها اعتمادا على القوة ..وأشكال القوة تتجلى في أجهزة القوة المنظمة للدولة :الجيش /الشرطة /... لحظة ثانية : توافق الحق والقوة الوقوف عند دلالة القوة بما هي قوة مشروعة قائمة على أساس الحق والقانون قوة تدعم السيادة من جهة ما ان ممارسة السيادة التي هي آلية فعل الدولة وشرط استمرارها يحتاج إلى تنظيم قوة مادية مشروعة بدونها لايمكن تصور قيام الدولة المدنية الحديثة فالدولة تحتاج إلى العنف المادي المشروع بل هو الثابت البنيوي في قيامها كما يبين ماكس فيبر " تقوم الدولة بنجاح باهر باحتكار العنف المادي المشروع" بل يذهب الى حد اعتبار ان" اختفاء العنف معناه اختفاء الدولة " فلا يمكن تصور قيام دولة الحق من دون عنف شرط ان يكون عنفا مشروعا يمارس في حدود سلطة الحق فالسيادة بما "ممارسة الإرادة العامة "كما يسميها روسو لا يمكن ضمانها إلا بتوافق الحق والقوة : حق يكفل قوة المواطنة وقوة تضمن سيدة الحق (القانون). شروط التوافق : السيادة بما سلطة اعتبارية تحتاج لا للحق وحده بل لقوة تعضد الحق وتؤسس له على أن تكون هذه القوة قوة مشروعة . المواطنة بما إرادة انتماء للجسم السياسي ( الدولة من جهة ما هي إنسان اصطناعي كما سماه هوبز ) إرادة حرة متعقلة تحتاج لقوة ضامنة لحقه في الانتماء والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والمدنية حتى يحق له فعلا كما قال أرسطو" التمتع بوظائف القاضي والحاكم ". أن تكون غاية هذا التوافق حفظ كرامة الإنسان وأمنه وسلامته لان محافظة الإنسان على ذاته وحقوقه هو المبدأ – الرغبة ( الكوناتوس) الذي قامت عليه أصلا الدولة في المنظور التعاقدي .هوبز –ف "في ظل حكومة دولة محكمة الأسس، فإن كل فرد لا يحتفظ من حريته إلا بالقدر الذي يكفيه ليعيش عيشة راضية، و في ودعة تامة ، كما أن الآخرين لا يجردون من حريتهم إلا بقدر ما يُــخشى عل غيرهم منها." ومن هنا فلا بد للحرية من قوة لحمايتها وحفظها.
 النقاش:
 بيان مكاسب النص: - ضرورة الحق للقوة وعدم تعارض المبدأين في دولة حرة ديمقراطية تضمن السيادة والمواطنة العدالة والحرية الحق والقوة .
 - القوة متى تأسست على الحق أصبحت عاضدته وصارت منه وزادته قوة حتى يكون القانون ضمانة وحيدة للتوافق. - القوة في غياب الحق تتحول إلى قوة استبدادية قد يحتكرها رجل واحد أو مجموعة فتكون ضد الفرد وضد الحرية بل وضد الدولة ذاتها.
 الحدود: - توافق القوة والقانون قد تؤدي إلى انزلاق القوة خارج القانون ويستأثر بها شخص واحد على اعتبار إن من طبيعة الفرد العدوان كما يذهب إلى فرويد "انه لمبدأ عام إن صراعات المصالح بين الناس تسوى باستخدام العنف" . - إن الحق ذاته قد يكون تعلة لممارسة الإخضاع بالقوة , مناسبة لإظهار القوة ان كان مبني على أساس المنفعة لا على أساس العقل السليم كما بين شيشرون "وإذا كانت المنفعة هي فيما يقول البعض مقياس كل شيء فعندئذ سيحتقر القوانين ويخالفها كل من يرى فائدة له ف ذلك". - تحول القوة إلى مصدر تشريع فعلي تزينها ديباجة القانون ويصبح صاحب القوة هو من يسن القوانين إذا عرفنا أن هذه القوة يشرعها صراع طبقي على أساس توزيع غير عادل للثروة كما بين ماركس فتتحول الدولة إلى "جهاز قمع طبقي" وعندها فالقوة لا تكون فقط قوة مادية بل أيضا قوة ايديولوجية تنتجها الدولة ويصبح القانون ذاته ضربا من قوة الطبقة المالكة تفرضه على الذين لا يملكون سوى قوتهم الإنتاجية .بل إن اخطر أشكال الإكراه تطبق اليوم باسم العقل انه الإكراه الانضباطي في المجتمع الحديث كما تحدث عنه فوكو. - التوافق التام بين الحق والقوة ضرب من التنظير الفلسفي لا وجود له في الواقع فدولة الحق أو الحرية لا وجود لها الا في أذهان الفلاسفة فعند روسو "لو أخذنا كلمة ديمقراطيّة على وجه الدقّة لرأينا أنّ الديمقراطيّة الحقيقيّة لم توجد ولن توجد أبدا ". - إن هذا التوافق التام لا يمكن ضمانه إلا من الفيلسوف ذاته حكيم المدينة ورئيسها كما تصوره أفلاطون في مدينته الفاضلة .

ليست هناك تعليقات:

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم