كيف يشوهون الماركسية وكيف نرد
«لم نكذب قط بالقدر الذي نكذبه اليوم. كما أنّنا لم نكذب بهذا النحو السفيه والنسقي والراسخ كما نكذب اليوم»
ألكسندر كويري.
   يبدو أن المستشرق الإنجليزي إدوارد لين (1801-1876) لم يبالغ عندما صرّح بأن الكوجيتو المميز لبعض الثقافات السياسية المعاصرة هو (أنا أكذب إذن أنا موجود) لذلك يعتبر موضوع الكذب من أهم الاشكالات التي تتصل بالإنسان وتربك تواصله الانساني ومفردات هذا التواصل المختلفة، وخاصة منها المفردات السياسية اذ نستطيع القول بأن الكذب السياسي بما هو إخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه تعبير يهدف إلى التضليل السياسي حيث يعتمد التحفيز اللامشروع للمعرفة السياسية في إطار التفاعل والتواصل المجتمعين. إنه نظام خطابي تواصلي يتأسس على تفاعلات التخاطب السياسي وارتباطه بمواقف السياسيين ومقاصدهم الفردية والجماعية.
لقد أضحى الكذب في الشأن السياسي منهجا يجد رواجا في مختلف الأوساط السياسية وخاصة من يفتقد في أطروحته السياسية الحجة العقلية لإقناع الجماهير مثل الاسلام السياسي اليوم الذي يجعل من الدين مطية لأنه الطريق الأسهل لاستمالة أكثر عدد ممكن من عامة الناس البسطاء.
 لذلك يبقى الكذب السياسي من أخطر الممارسات لما يترتب عليه من تداعيات ومنزلقات، فممارسته تشبه السير على شفرة حلاقة، في كل الأحوال الجرح محتوم لأنّ انكشاف زيف الادعاءات ودحضها يسقط السياسي جماهيريا وقد لا يجد حينها القدرة على النهوض وإعادة أنفاسه. ضمن هذا السياق نجد أنفسنا مدفوعين لكي نفضح بعض الممارسات السياسية السلبية التي يحفل بها المجتمع السياسي التونسي والتي تستدعي منّا مقاربة واقعية تكشف عن الكذب السياسي للتيارات الاسلامية في صراعها التاريخي مع الأحزاب الماركسية في تونس والوطن العربي، سواء كان هذا الصراع داخل أسوار الجامعات والمعاهد أو خارجها ضمن عامة النّاس، وقد اتخذ هؤلاء أسوأ وسيلة في الصراع مع خصومهم السياسيين الماركسيين وهو العنف سواء كان في شكله المادي الهمجي أو في أشكاله الرمزية المختلفة كالكذب من أجل التشويه واستمالة الرأي العام البسيط مستغلين في ذلك الوازع الثقافي الديني لدى هؤلاء، إذ يتم تشويه الماركسية كي يسهل انتقادها وذلك عبر تسطيحها.
ويمكن القول إن هذه الظاهرة احتدّت بعد انتفاضة 17 ديسمبر2010 و إلى حدّ الآن. إنّ شغف حزب حركة النهضة ولهفتها على الاستحواذ على السلطة جعلها تجنّد كل وسائلها وأتباعها من أجل خلق الأكاذيب المفضوحة التي لا تنطلي إلاّ على من يجهل حقيقة الايديولوجيا الماركسية اللينينية، ولأنّ أكاذيبهم كثيرة سأقتصر في هذا المقال على أهمها:
*أكذوبة الاباحية الجنسية: "الروح لماركس والجسد للرفيق" / "الاشتراكية تعني أن تكون ابنتك أو زوجتك أو أختك ملكا للجميع" / "لا قيمة للروابط العائلية"...الخ.
 إنّها أهم وسائلهم لإقناع العامة أو الجهلة والأميين من أتباعهم بخطورة الماركسية على الدين والمجتمع. ولكن أقول لهؤلاء: إنّ الماركسية اللينينية أرقى من أن تهتمّ بالترويج لهذه الأحكام أو فرضها تعسفيا على الناس  لأن مهامها أعظم ولكن لا بأس من تنوير هؤلاء وإحالتهم على شذرات من النصوص الماركسية اللينينية:
يبدو الطرح القائم على اتهام المنظومة الماركسية الثورية بالترويج للإباحية أو الجنسية الحرة واهيا للغاية وغير ذي أساس و الحق ان هذه التهمة مردودة و بعيدة كل البعد عن الماركسية، فهي تطلق عادة من طرف الأصولية الدينية الرجعية المسخرة من طرف البرجوازية. و الإباحية كما هو معروف دعوة للجنسية الحرة داخل وخارج مؤسسة الأسرة و هو شيء مرفوض في الفكر الماركسي، فماركس مثلا في مخطوطات 1844 يهاجم فكرة مشاعية النساء بحيث أسماها " الشيوعية الأمّية "، وأكثر من ذلك اعتبر ماركس الإباحية تعبيرا عن فساد المجتمع البرجوازي المبني على المادة وأرجع ذلك إلى: " كون الفرد العاجز عن الانعتاق من العبودية الاجتماعية – الاقتصادية يصبح عبدا لغريزته " فما يلبث " تمرده الفوضوي " على الزواج البرجوازي أن يدعو " لمشاعية النساء " أو " إباحية معممة " تفضي باسم " حرية الحب " إلى " بغاء معمم منبوذ و مقزز." (العبارات بين ظفرين لماركس).
أما لدى لينين فقد كاد الأمر- الإباحية – أن يكون جريمة ضد أخلاق البروليتاريا الثورية، ويمكن في هذا المجال العودة إلى مقتطفات من كتاب كلارا زيتكين "لينين كما كان" .
» بالرغم من أنني بعيد عن شخصية الراهب القاسي، يبدو لي أنّ ما يسمى ( بالحياة الجنسية الجديدة ) للشباب وأحيانا حتى عند الناس الناضجين، تظهر لي غالبا وكأنها بورجوازية صرف أو كأنها نوع من بيوت الدعارة «.
وضمن هذه الرسالة نجده يعود لنظرية فرويد للحياة الجنسية منتقدا ايّاها ويعتبرها احدى النظريات البورجوازية التي تهمل المشاكل الحقيقية للمجتمع مثل الصراع الطبقي بالتركيز على مثل هذه المواضيع.
«إنّ فرضيات فرويد، على حد ما يزعم،  لها طابع "علمي" لكنها ليست في الواقع سوى خربشة بدائية. ونظرية فرويد لم تعد اليوم هي نفسها سوى نزوة من نزوات الموضة. انني لا اثق البتة بتلك النظريات الجنسية.... وإنني لا ارتاب في اولئك الذين تشغلهم باستمرار وعناد مسائل الجنس، مثلهم مثل الفقير الهندي في تأمله سرته...انه ليخيل الي ان هذه الوفرة من النظريات الجنسية التي ليست في معظمها سوى فرضيات تعسفية تنبع من ضرورات شخصية تماما، اي من حاجة المرء الى تبرير حياته الشاذة او غرائزه الجنسية المشطة في نظر الاخلاق البورجوازية والى استصدار قرار بالعفو عنها».
والأمر هنا محسوم و لا يحتاج إلى بيان. 
إذن الماركسية الثورية كنظرية و كفلسفة لنقد أسس البنية البرجوازية بهدف تغييرها بشكل جذري تنظر إلى المسألة الجنسية من زاوية كونها جزأ من المسألة الاجتماعية بشكل عام، ثم باعتبارها تمظهرا من تمظهرات فساد المجتمع البرجوازي لذا فتقويم هذا الوضع غير السوي في العلاقات الإنسانية بين الجنسين رهين إلغاء قيم الملكية الخاصة وثقافة الاستهلاك من المعاملات اليومية بين الناس وسطوة رأسمال الكليانية على الحياة الحميمية للأفراد، و هو الفعل الذي لا يتحقق إلا من خلال التغيير الثوري للمجتمع البرجوازي.
                                                         الشاذلي الكسابي
                                                                                   القيروان في 4 جوان 2013

ليست هناك تعليقات:

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم