الأخلاق: الخير والسّعادة
مدخل إشكالي: وضعية استكشاف عدد:01/ص: 2012 
1- الدلالات الرمزية لاجتماع الإله الصالح والإله الشرّير:
-         أنّ الخير والشّر ينتميان إلى نفس المجال ألا وهو المجال الأخلاقي، هما معياري الحكم على أفعال الإنسان بأنّها جديرة أو غير جديرة بالتقدير.
-         أنّ الأخلاق من أهمّ المباحث الفلسفية لارتباطها بالوجود الإنساني بما هو وجود يتميّز نوعيا عن الوجود الحيواني بأنّه وجود قصدي وبأنّه وجود قيمي، إذ يكون لكل سلوك قيمة يكتسيها من مقصده وغايته وهذا ما يضفي عليه معنى(قمّة الجبل).
-         الأخلاق هي القواعد التي يخضع لها الإنسان في أفعاله والمعايير التي يستند إليها للحكم عليها بأنّها خير أم شرّ، تستحق أو لا تستحقّ التّقدير.
-         أنّ الإلهي يمثّل المطلق: الوجود الأسمى والنّهائي.
2- ما يدلّ على الخير بالنسبة للإله الصّالح والشّر للإله الشّريرهو:
-         سلوكهما: الإله الصالح بادر بالتحية وواصل مخاطبة الإله الشّرير رغم أّه لم يرد عليه التحية. الإله الشرير سلوكه فضّ،( قوله بأنّه يكره الاه الخير ويكره اسمه).
3- خلط البشر بين الإله الصالح والإله الشّرير يدلّ على
-         الطّابع النسبي للقيم: تغيّرها في المكان والزّمان، لكل ثقافة منظومة قيم تخصّها وكل منظومة تاريخية.
-         غياب معايير ثابتة في الحكم الأخلاقي لدى الإنسان. هناك من يرى معيار الخير في مباديء الفعل إرادة كانت أم عاطفة وميلا، وهناك من يراها في الغاية التي ينشدها الإنسان من فعله أو من النتائج الناّفعة التّي قد تترتّب عن ذلك الفعل.
4- إنّ غضب الإله الشّرير يعود إلى كون القيم مطلقة في عالم الآلهة.
بناء المشكل:
إذا كان الفعل الإنساني توجّهه غايات و يتأسس على قيم فأيّة غايات تضفي على الفعل الإنساني صفة الأخلاقية؟ هل ينشد الفعل الأخلاقي الخير أم السّعادة؟ ما دلالة الخير هل هو قيمة مطلقة وثابتة توجد في ذاتها وجودا مفارقا للإنسان؟ أم قيمة نسبية ومعيار وضعه الإنسان؟فيم يتمثّل هذا الخير؟ هل في الفعل الذي يجعل الإنسان سعيدا؟ وهل نفهم من السّعادة طلبا للنّفع الإنساني العام؟ أم التزاما بالفضيلة في ذاتها وإقصاء لكلّ منفعة؟هل يمكن أن نكون خيّريين وسعداء في نفس الوقت؟ أم ينبغي التضحية بالسّعادة الحسية واللذّة العابرة ليكون الفعل خيرا مطابقا للواجب العقلي؟ وبما أنّ قيم الخير والسّعادة مشتركة وكونية، فهل يعني ذلك أنّها متعالية على الإنسان؟ أم أنّها نسبية تاريخية من إنتاج الإنسان ذاته؟ هل ينبغي تجاوز نظرة تأثيم السّعادة لنعتبر الرّفاه المادي مطلبا إنسانيا مشروعا أم أنّ السعادة وهم إيديولوجي رسّخته الحضارة الاستهلاكية المعاصرة لتخدّر الوعي عن التحرّر من اغترابه؟ألا يحتاج الإنسان للتحرّر من هذا الاغتراب لتفكير إيتيقي يقيم توازنا بين قيم الخير والسّعادة والحرّية ليضفي معنى على وجوده المعيش؟

I- مطلب السعادة واطلاقية القيم الأخلاقية:
1-    التلازم بين الخير والسعادة: أخلاق السّعادة:
النص السند: "الأساس الأخلاقي للسعادة"لـ أرسطو/ص:267
* "السّعادة ضدّ الشّقاوة، وهي الرّضا التامّ بما تناله النفس من الخير. و الفرق بين السّعادة و اللذّة أنَّ السّعادة حالةٌ خاصّة بالإنسان، و أنَّ رِضَا النفس بها تامٌّ، على حين أنّ اللذّة حالة مشتركة بين الإنسان و الحيوان، و أنَّ رِضَا النفس بها مُؤّقتٌ. و من شرط السّعادة أنْ تكون مُيول النفس كلُّها راضيةً مرضيةً، و أنْ يكون رضاها بما حَصلَت عليه من الخير تامًّا و دائما."       د. جميل صليبا: المعجم الفلسفي. 
يحيلنا هذا القول إلى التماهي بين الخير والسعادة و بأنّ الفعل الأخلاقي هو ما نهدف من خلاله إلى تحصيل السعادة. اقترن هذا  المفهوم بالأخلاقية لدى فلاسفة اليونان حتى صارت فلسفة الأخلاق عندهم فلسفة من أجل السعادة وتمثّلت أطروحتهم الأساسية في الربط بين السعادة والفضيلة.
 * يؤكد أرسطو على أن الفعل البشري غائي يهدف إلى خير ما ويعتبر السعادة بما هي خير أسمى يطلب لذاته هدف هذا الفعل الأخلاقي. كما يستبعد أن تكون غاية الأخلاق هي تحقيق اللذة الحسية.
* ما هو الفعل الأخلاقي ؟والي ماذا يهدف ؟ هل انه يبتغى خيرا أسمى يطلب لذاته أم أنه يسعى لسعادة نسبية من خلال تحقيق مطلب اللذة الحسية ؟
العناصر: 1- في علاقة السعادة باللذة
2-    في ضرورة أن تكون السعادة مطلبا للأخلاق
التحليل:
1- في علاقة السعادة باللذة:
* تهدف الفلسفة الخلقية عند أرسطو إلى تعيين غايات الفعل الإنساني فكل فعل يطلب غاية ما أو خيرا ما، والخيرات يمكن أن تأتي من خارج النفس(الحظ،الجاه،المال،الصحة) أو تكمن في داخلها(الحكمة،الفضيلة،اللذة) فما هو الخير الأسمى لكل أفعالنا؟ تعتبر السعادة عند أرسطو الخير الأسمى أي الغاية القصوى المطلوبة لذاتها، إذ يشترك كل الناس في التوق إلى السعادة وما وُجد الإنسان إلاّ ليعيش حياة سعيدة. يستبعد أرسطو اختزال السعادة في اللذة الحسية لأنها تجعل الإنسان أقرب إلى الحيوانية ولأن الإفراط فيها يرفع في الرذيلة. إلاّ أنه لا يؤثم اللذة والمنفعة مطلقا بل يرى أن اللذة أو المال أو المجد هي وسائل قد تساعد على السعادة ولكن لا تتمثل السعادة فيها.
* المطابقة بين السعادة وحياة التأمّل: إن خير كل كائن يكمن في تمام  تأدية وظيفته وللإنسان بما هو كذلك وظيفة خاصة به يمتاز بها عن سائر الموجودات وهذه الوظيفة لا تتعلق بالمستوى البيولوجي ولا بمستوى الإحساس لان النبات والحيوان يشاركان الإنسان في هذه المستويات بل إن وظيفته وكماله يرجعان إلى استمرار عملية التأمل والتفكير التي توصله إلي أرقى مراتب السعادة. إن عملية التأمل والتفكير - حسب أرسطو – هي أسمى أنواع السعادة للأسباب التالية :
- السعادة كامنة في التفكير والتأمل في المواضيع الخالدة أي في الحق الأول / الخير الأسمى.
- أرقى سعادة وأنقاها مرتبطة بأرقى لذة وأنقاها.
- السعادة الأرسطية مكتفية بذاتها لان الحكيم في تأمله لا يحتاج إلى أي عامل خارجي .
- السعادة الأرسطية غايتها في ذاتها لان فعل التأمل لا يهدف إلي أي شئ آخر ما عدى التأمل ذاته.
  هكذا  يؤكد أرسطو أن السعادة تقوم على نشاط يختص به الإنسان ولابد أن يتطابق مع العقل بمثل ما يتوافق مع الفضيلة.ويصعب أن تستمر سعادة هذا الكائن من دون رقابة العقل.وبالتالي فإن أفضل سبيل يتبعها هي سبيل الحذر والفطنة طالما أن سعادته لا تتأتي بمحض الصدفة وإنما بالسعي والتحصيل. إذ تتطلب من الكائن العاقل جهدا وتدبيرا ومنها حاجة الإنسان لأن يكون فاضلا.
2- في ضرورة أن تكون السعادة مطلبا للأخلاق :
- يرى أرسطو أن الفعل الأخلاقي بما هو خيرا لا يمكن له إلا أن يفضى للسعادة فأخلاقية الفعل مرتبطة بالخير الأسمى لذلك يربط أرسطو بين الأخلاق والفضيلة التي تمثل اعتدالا بين حدين مثل فضيلة الشجاعة التي تمثل وسط بين التهور والجبن فالاعتدال كامن في ما يجب أن يقوم به الإنسان دون إفراط أو تفريط والعقل من خلال فعل التأمل هو القادر على تحديد أخلاقية الفعل الإنساني ذلك أن القوة العاقلة في جانبها النظري تبحث في جملة الحقائق المجردة فينتج عن ذلك معرفة ما هو حق وأما في الجانب العملي فإنها تبحث في ما يجب أن يقوم به الإنسان من فضائل أخلاقية  تضمن له في مرحلة موالية ومن خلال التأمل بلوغ السعادة القصوى بيد أن مرحلة السعادة هذه وبما أنها لذّة تأمل وتفكير ليست في قطيعة مع الحياة الواقعية ولا تمثل عالما مستقلا بذاته وإنما هي سعادة تأتى كتتويج لممارسة العقل وعمله في مستوى الفضائل الأخلاقية لذلك يؤكد أرسطو على قيمة هذه الفضائل باعتبارها تعكس حياة الإنسان بما هو إنسان .
     إذا حسب أرسطو هناك نوعان من الحياة السعيدة: واحدة تقوم على الثراء وتخلو من القيم. والأخرى تقوم على التأمل وليست متاحة إلا لأرفع الكائنات. إلاّ أنّ فضيلة الحكمة تكتمل مع الآخرين« باعتبار أن الإنسان هو من حيث الطبيعة كائن سياسي ». ودقق هذا المعنى في تحليله لمفهوم الصداقة بما هي طلبا للحقيقة و الخير للآخرين. تتحقق فضيلة العدالة ضمن الوجود السياسي أو المدني للإنسان في المدينة أو الدولة.يقول أرسطو:" إذا سلّمنا بأن السلوك الجيد والسعادة أمر واحد فإنّه ينتج عن ذلك بالنسبة للدولة والفرد أنّ الحياة الأفضل هي التي يقود فيها التأمل أفعالنا الجيّدة" فالسعادة لا تكتمل إلاّ بشروط سياسية مدنية. الفعل الأخلاقي هو الذي يحقق الانسجام بين الفضيلة والسعادة في آن.









3-    الفصل بين الخير والسّعادة:من أخلاق السّعادة إلى أخلاق الواجب :

نص: "الشرعية الأخلاقية" ص:233/"السعادة والأخلاق"ص:233 (ﺇيمانوئيل كانط)
الوضعية المشكل: مقطع من رواية " الجريمة والعقاب" لدوستوفيسكي.
 نقرأ عن "راسكلنيكوف" وهو شاب روسي معدم يعاني الأمرين من الفقر يجبره فقره أن يستدين من المرابية    "اليونا افانوفنا". وبعد أن يرى "راسكلينكوف" جشع هذه المرابية واستغلالها للمساكين والفقراء، يصل إلى استنتاج خاص به : انه لو قام بقتل المرابية فسوف يؤدي خدمة لمجتمعه.
 المهام:
1-هل يمكن أن يعد القتل قيمة كونية ؟
 2-هل يتناقض القتل مع البواعث الأخلاقية ؟
هل يمكن للميولات أن تكون أساس لأفعانا الأخلاقية؟
المشكل: ممّ يستمد الفعل الأخلاقي قيمته: هل في إتباع ميولاتنا المرتبطة بنتائج أفعالنا أم من احترامنا للواجب والتزامنا به؟
إذن ما دلالة الواجب الخلقي عند كانط؟ ما الذي يجعل فعلا ما فعلا أخلاقيا ؟ أي ضمن أية شروط يعد فعلا ما فعلا أخلاقيا ؟
التحليل:
1- يطرح كانط في مجال الأخلاق سؤال العقل العملي "ماذا يجب عليّ أن أفعل؟" فهو لا يحدّد الفعل كما هو كائن في التجربة بل كما يجب أن يكون بحسب مبادئ قبلية سابقة للتجربة  في العقل.
تراهن نظرية كانط الأخلاقية على البحث عن أسس كونية للخير كقيمة عليا وغاية كل سلوك أخلاقي. وترتبط خيرية الفعل بأساس الواجب الأخلاقي.
الفعل الأخلاقي هو الذي يستوجب توفّر الإرادة الخيرة في ذات الفاعل، أي أن تكون غاية الفعل الأخلاقي هي الخير ذاته وليس تحقيق لذّة أو منفعة. وتكون الإرادة خيّرة حينما تتطابق مع الواجب أي حينما تقوم بالفعل احتراما للقانون لذاته.
معنى الواجب: هو الإلزام الذّي يقضي بأن يكون فعلنا مطابقا لأوامرنا الأخلاقيّة و مبادئها. و بتحديده لمفهوم الواجب وضع كانط المعيار الذّي سيمكّن من الحكم إن كانت أفعالنا أخلاقيّة، أم هي على العكس من ذلك غير أخلاقيّة. و لتحديد معنى الواجب، قام كانط بالتّمييز بين الأمر الشّرطي و الأمر القطعي.
استفاد كانط من فلسفة ديكارت الكوجيطو الذي أقام مملكة الحق والإرادة في عالم الفكر. و استفاد من روسو مفهوم "استقلالية الإرادة" فمضى به من السياسة إلى الأخلاق، وبات لديه تصور واضح للعقل العملي باعتباره عقلا مشرعا للقانون الخلقي؛ فمن أين يستقي العقل سلطته التشريعية؟
يردّ كانط سلطة التشريع إلى ما يجده في العقل البشري من « إرادة خيّرة »، وهذه الإرادة هي التي تنير سبل الفعل وترشده حتى لا ينساق إلى الانحراف بدفع من الميول والرغبات. ومن أجل أن يضمن كانط فاعلية أقوى للإرادة عند قيادتنا نحو الفعل الخيّر، أردفها « بفكرة الواجب » قاطعا كل أمل في تصور أخلاق عفوية وتلقائية. حرص كانط على توضيح صيغ الواجب المحتملة: فميّز بين فعل يتم " طبقا للواجب" على غرار سلوك التاجر الذي يستقبل زبائنه بكل ترحاب وحفاوة، تستحق منا الإعجاب ولا تستحق الاحترام لأنها في النهاية تخدم مصلحة التاجر وتحقق له المنفعة أكثر من نفع حرفاه. ثم فعل يتم " بدافع الواجب" وهو الذي يصدر عن قناعة خلقية حقيقية. وقد لا نفهم عمق هذا التمييز إذا لم نستحضر الفصل الذي أقامه كانط بين نوعين من الأمر الأخلاقي:
* الأمر الشَّرطي: وهو الأمر الذي لا ينطوي على أخلاقيّته في ذاته، بل نروم من ورائه تحقيق نتيجة ليست من جنسه، كأن نقول مثلا:  « إذا أردت النجاح،كن مثابرا ». لا تَحثّ هذه الوصيّة الأخلاقية على المثابرة كقيمة، وإنما تقرنها بالنجاح كنتيجة.وإذاّ ّما تيسّرت سبل النجاح من غير مثابرة (كالغش مثلا) فلن يتردد الفرد في إتباعها ؟
* الأمر المطلق: يتّخذ القانون الأخلاقي عند كانط صيغة الأمر القطعي التّالي: "افعل بحيث تريد لقاعدة فعلك أن تكون قانونا كلّيا" هو الأمر الذي ينطوي على قيمته في ذاته، فلا يطلب غاية خارجية عنه ولا يقرن الفعل بنتيجة أو فائدة سوى الخلقية الحرة، كأن نقول مثلا:  « كن مثابرا. »
إنّ ما يجعل من الإنسان شخصا ذا كرامة هو استقلال الإرادة وحرية اختيار الأهداف هي الأساس أو التعبير الفلسفي لهذا التّصور.
       هكذا يبين كانط إن الفعل لا يستمد أخلاقيته من الغايات المرجوة منه ولا من النتائج المترتبة عنه، وإنما يستمدها من الإرادة المقررة بما هي إرادة خيرة، إرادة العقل العملي التي تقوم بالفعل بمقتضى الواجب وليس من اجل طلب منفعة ذاتية. إذا الخير هو الواجب، ومن هنا يفصل كانط بين السعادة والخير.

2- إنّ ما يميّز فلسفة كانط العمليّة عن التّصوّرات الفلسفيّة السّابقة للأخلاق هو أنّه لا يحدّد مثلهم قواعد للفعل       وللعمل تمكّن من تحقيق السّعادة بالنّسبة إلى الإنسان. فكانط، في مجال العقل العملي، يفصل بين أوامر الحيطة (اقتصد لتصبح ثريا او اتبع حمية غذائية لضمان سلامتك الصحية مثلا) و الأوامر الأخلاقيّة. فإذا كانت الأولى تشكّل قواعد مادّية واقعيّة للفعل الأخلاقي، و هي من حيث هي كذلك صادرة عن التّجربة      وتهدف إلى تحقيق غاية حتّى و إن كانت السّعادة، فإنّ الأمر الأخلاقي لديه يتّصف بالكلّية و الشّموليّة لأنّ مصدره هو العقل. على هذا الأساس، استبعد أن تكون السعادة مبدأ للأخلاق لما يكتنف هذا المفهوم من غموض مأتاه تعدد تصورات الناس للسعادة: سعادة الثراء، العلم والحكمة، الشهرة والنجومية، الصحة والعافية ... لكل رأيه في السعادة ، ففي الواقع هناك سعادات تبعا لتعدّد المنافع والخيرات أي تبعا لما يتصوره كل فرد مشبعا لرغبته الخاصة، وهذا يعني أن عناصر مفهوم السعادة تتغير بحسب ما يراه كل فرد مرضيا له.
      إذا السعادة في تقدير كانط:« لا تكون مثلا أعلى للعقل بل للتخيل » إنّ مفهوم السعادة لا يصلح كمعيار للتمييز بين الفضيلة والرذيلة، وهنا وضع كانط الاختلاف بين الفضيلة والسعادة: إن الفضيلة وان كانت لا تجعلنا ضرورة سعداء فإنها يمكن أن تجعلنا "جديرين بالسعادة" لان السعادة عند كانط من خلال الدين أمل أخروي تناله إرادة تجانست مع إرادة الله وهو التناغم الذي يسميه كانط "الخير الاسمي" دلك أن استحقاقنا للسعادة في ملكوت الله سيكون محصلة أخلاقية، ففي ما بعد الموت فقط يمكن الحديث عن هذا الخير الاسمي الذي هو عين تطابق الفضيلة والسعادة. إن قاعدة السلوك يجب أن تكون دائما الالتزام بالقانون الأخلاقي أما السعادة فهي أمل يشدّ الكائن العاقل إلى ما وراء حدود العقل حينما يجيب من خلال الدين عن سؤال: "ماذا يجوز لي أن آمل" إذا التزمت بالواجب أثناء الحياة.
      سواء تعلق الأمر بقيمة السعادة أو الخير أو الفضيلة فقد سلمت التصورات الميتافيزيقية باطلاقية القيم وتعاليها عن الإنسان وحولتها إلى صيغ مجردة لا تمكننا من فهم التجربة المعيشة مع الآخرين كما نحياها بالفعل في الواقع.

II- مطلب السّعادة ونسبية القيم:
1- نسبية القيم الأخلاقية:
السندات: نص :"قلب القيم" لـ ف. نيتشة / ص: 235 /243   
         
الأطروحة:  إنّ الأخلاق، بما هي إبداع و خلق إنساني، بحاجة إلى نقد يفضح نوعيّة الإرادة التّي تتخفّى وراءها..
الأطروحة المستبعدة:  الموقف الفلسفي الذّي يعتبر القيمة الأخلاقيّة معطاة، حقيقيّة و مبرّرة بصفة طبيعيّة.
الإشكاليّة:  بأيّ معنى تكون المساءلة الفلسفيّة الأصيلة للأخلاق سبرا لقيمة القيمة ؟   
التّحليل :
أنكر نيتشه وجود قيم مطلقة ثابتة لا تتغيّر و رفض إرجاعها إلى اللّه ( كما يفعل الدّين ) أو إلى العقل ( كما ذهب كانط ) أو إلى العاطفة ( كما فعل روسّو ). فأنكر بالتّالي وجود خير في ذاته أو حقّ في ذاته و اعتبر أنّ مصدر القيم هو الإنسان الفرد، فهو الخالق و المبدع لقيمه، من حيث هو كائن عضوي، جسدي و بيولوجي بالأساس.          
إنّ المنهج الذّي يتّبعه نيتشه في مقاربته للمسالة الأخلاقيّة هو منهج جنيالوجي يطمح إلى الإمساك بالأصل      ( أصل القيم الأخلاقيّة ). تمكّن نيتشه من التّعرّف على أنّ أصل القيم إنّما هو الجسد بما يحمله من إرادة ضعيفة أو قويّة. و هو لا يتّبع هذا المنهج الجنيالوجي إلاّ لكي يتبيّن لا الأصل فقط بل أيضا قيمته. فلا يكفي بالنّسبة إلى نيتشه، أن نتفطّن إلى أنّ الجسد هو مصدر قيمنا الأخلاقيّة، بل يتعيّن علينا أن نتبيّن قيمة الجسد ذاته من حيث هو مصدر للقيم الأخلاقيّة. و بذلك تتحوّل المساءلة الفلسفيّة النّيتشويّة للأخلاق من مساءلة تهدف إلى فهم أحكام القيمة الأخلاقيّة إلى مساءلة تطرح قيمة الحكم الأخلاقي ذاته. فيصبح السّؤال النّيتشوي، ليس متمثّلا في: كيف يكون الفعل الأخلاقي خيّرا   وطيّبا ؟ و إنّما في: ما قيمة الطّيبة أو الخير كقيمة أخلاقيّة ؟ و في هذا السّؤال يكمن القلب النّيتشوي للمسألة الأخلاقيّة. 
إنّ القيمة الأخلاقيّة، حسب نيتشه، تعكس نوعا معيّنا من الإرادة: إمّا إرادة ضعيفة، و إمّا إرادة قويّة.  و في هذا السّياق يمكن أن نميّز بين ما يسمّيه نيتشه أخلاق الضّعفاء أو العبيد ( إرادة ضعيفة ) و أخلاق الأقوياء أو السّادة       ( إرادة قويّة ).
أخلاق العبيد:  هي أخلاق الكثرة الغالبة التّي تعلي من قيم الصّبر و الحِلم و الطّاعة و التّواضع. و تلك هي القيم التّي تدعو إلى تحقيقها تعاليم الدّين المسيحي و الفلسفة المثاليّة على حدّ السّواء.
أخلاق السّادة:  توطّد نفوذ الإنسان القويّ و تتمثّل في الاعتزاز بالقوّة و احتقار الضّعف و احترام القسوة  و الاستخفاف بالرّحمة و حبّ الصّراحة و كراهيّة الكذب و النّفاق و الخداع و الميل إلى الانتصار و قهر المنافسين إلى آخره.
هكذا يهدم نيتشه التّصوّرات الفلسفيّة السّائدة لمسألة القيم الأخلاقيّة، فيعيد تأسيس الأخلاق على " إرادة القوّة " التّي هي ذاتها إرادة الحياة معتبرا أن وظيفة كلّ أخلاق تكمن في كونها تؤدّي إلى السّيطرة على الطّبيعة و على الآخرين. حينئذ يتحطّم القانون الأخلاقي الكانطي من حيث أنّ غايته هي ذاته.  
* كما ترى النظرية الماركسية في الأخلاق أحد انتاجات الوعي التابعة في حضورها وتطورها للواقع الاقتصادي والاجتماعي الطبقي. لذلك فان مفاهيم الخير والشر تتحدد في كل عصر حسب المصالح الطبقية ففي مجتمع يقوم على التفاوت يكون احترام ملكية الغير واجبا مقدسا. فالقيم غير متعالية ولا مطلقة ما دامت من إنتاج الإنسان ذاته وهو ما يؤكد تاريخية ونسبية القيم. 
2- التصور اللبرالي للسعادة وحدوده:

الأطروحة:  إنّ فكرة السّعادة وليدة الإيديولوجيات الاستهلاكية.
الإشكاليّة:  . فماهي مبادئ "أخلاق الرفاه" أو مجتمع الاستهلاك؟ وفيم تتمثل تبيعات هذه السعادة بماهي رفاه مادي؟  
تفكيك عناصر التّحليل:
1.   الاستهلاك ومطلب السّعادة:
التّحليل:
1.  الاستهلاك ومطلب السّعادة:
 أـ تتأسّس هذه الأخلاق على إنشاء تماثل في السلوك ينشد تداول ما يقع عرضه والإقبال عليه لأنّ الحاجات التي يتكلّم عنها الخطاب المدعم لمجتمع الاستهلاك ليست حاجات بشريّة صادرة عن الطبيعة الإنسانيّة بل هي حاجات من صنع مجتمع الاستهلاك نفسه.
ب ـ يقع الربط بين نشوء المجتمع الاستهلاكي وقيام الثورة الصناعيّة بما تضمنته هذه الثورة من إبداعات تكنولوجيّة غير مسبوقة وهو ما أتاح إنشاء المصانع الحديثة وفق مخطّطات إنتاجها القادرة على إنتاج المتعدّد من السلع المتشابهة التي يتمّ تطويرها دائما غير أنّه لما كانت السعادة متغيّرة باستمرار، ولمّا كان العـلم له من العبقريّة ما جعله ينتبه إلى ذلك فقد صنع من المكتشفات التكنولوجيّة ما يمكّن من تحقيق السّعادة والإبقاء عليها، الأمر الذي يحتاج إلى الاستبدال الدائم لهذه الأدوات التكنولوجيّة التي يوفّرها العلم. ذلك وحده ما غيّر من مفهوم القيمة بأن أصبحت القيمة التبادليّة والرّمزيّة هي القيمة السائدة لا القيمة الاستعماليّة.
ج ـ لا يقـع الاكتفـاء بالاستهلاك وحده وإنّما الدعوة لطريقة خاصّة ونموذجيّة من الاستهلاك وهو ما يسمّيه البعض بالاستهلاك والزيادة في الاستهلاك. وإذا كان الاستهلاك يفيد السعادة فإنّ الزيادة في الاستهلاك يوسّع من مجال السعادة ويعمل على الإبقاء عليها دون انقضاء.
2. للسّعادة وظيفة إيديولوجيّة:
         فضح الكاتب الوظيفة الإيديولوجيّة التّي تضطلع بها فكرة السّعادة في المجتمعات الحديثة. فإن كان النّظام الرّأسمالي فرض تفاوتا طبقيّا واضحا فكرّس بذلك ظلما و قهرا اجتماعيا تبعته مناداة سياسيّة بتحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية ( مثلما يبدو ذلك واضحا في الحركات السّياسيّة اليساريّة في مختلف أنحاء العالم )، فإنّ الإعلاء الاجتماعي المعاصر من فكرة السّعادة، بحيث صوّرها مطلبا جماهيريّا، ساهم في تعتيم التّناقضات الإجتماعيّة الفعليّة. فتحوّلت بذلك المطالبة الجماعيّة بالمساواة إلى مطالبة فرديّة بالسّعادة.
         ينتج عن ذلك تحوّل من بحث واع و مسئول عن مساواة اجتماعية حقيقيّة و فعليّة إلى المطالبة اللاّ مسئولة بالمساواة في السّعادة الاستهلاكية التّي لا يمكن لها أن تمثّل بشكل من الأشكال سعادة حقيقيّة ( وهميّة ).
هكذا يتّضح جليّا أنّ فكرة السّعادة هذه تشكّل دعامة أساسيّة في حضارة الاستهلاك. و ما تجدر الإشارة إليه، في الأخير، هو أنّ بودريّار يتناول الاستهلاك كلغة اجتماعية معاصرة تشكّل السّعادة أهمّ ركائزها. و هي وهميّة لكونها لا تقود إلى إرواء حقيقي للحاجات الإنسانيّة بقدر ما تهدف دوما و أبدا إلى إثارتها و تكثيرها بغية تنمية المردود الاستهلاكي للإنسان.


III- من الأخلاق إلى الإيتيقا: قبم الحياة:
بادئ ذو بدء ينبغي أن نبين أن مفهوما الأخلاق Morale والإتيقا Éthique متداخلان إلى حد كبير وقد يعنيان نفس الشيء وهما متماثلان في الفلسفة القديمة والحديثة.
ولكن بداية من الفلسفة المعاصرة وجدت العديد من المبررات التي تستوجب الفصل بينهما وظهرت عدة أنماط من التفلسف الأكسيولوجي التي تحاول رسم الحدود الفاصلة بينهما. هناك اختلاف بين مفهوم الايتيقا ومفهوم الأخلاق. فالاتيقا هي التسليم بجملة من المبادئ أو الأوامر المحددة لكيفية التعامل بين الأفراد، و حسن تدبير شؤون الحياة و هي أساسا وضع قواعد الأفعال. و الأخلاق هي مجموع الأوامر السائدة في عصر ما أو مجتمع من أجل الاقتداء بها.
لقد ميز ريكور الأخلاق فهي تتمثل في القانون أو الواجب بما هو صيغة كونية مطلقة صورية ويلزم أفعالنا و تكمن قيمته في ذاته و لا يأخذ بعين الاعتبار اندراج الفعل في سياق التجربة الإنسانية. أما الأتيقا فهي تفكير و زاوية في مقاربة الإشكاليات الفلسفية تستهدف "الحياة الجيدة الخيرة مع الآخر ومن أجله في مؤسسات عادلة" أي هي النظر في غايات الوجود الإنساني ضمن الذاتية الحية للأفراد بما هي ذاتية منغرسة في المعيش و تتساءل عن القيم مثلما تبدعها الذات و نحياها "الآن و هنا". ولكن تقدير الذات لذاتها لا ينفصل عن العناية بالآخر ولا يكتمل إلاّ بإقامة نوع من "العيش معا" إلى حد الحميمية يتجلى في قيمة الصداقة. على هذا النحو إن كلمة إتيقا Ethique الفرنسية من أصل يوناني، وتعني البحث عن نسق من المبادئ يهدف إلى وجود بشري خير وسعيد, في حين أن كلمة أخلاق Morale الفرنسية من أصل لاتيني، و تتحدد كنظرية في الإلزام، نظرية في القانون والواجب الأخلاقي باعتباره قانونا لامشروطا وكونيا.
إذا من خلال هذا التمييز يمكن القول أنّ المقاربة الإيتيقية تضمن توافقا بين القيم( كالخير والفضيلة والسعادة والمنفعة) من جهة والحياة من جهة ثانية.




ليست هناك تعليقات:

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم