الإنساني بين الكثرة والوحدة الخصوصية والكونية


الإنساني بين الكثرة والوحدة
الخصوصية والكونية
1- الهوية:  إشكالية المعنى:
أ- الهوية بما هي خصوصية:
النص الستد: "الهوية الشخصية" ج.لوك. ص:170
تمهيد:
إنّ البحث في الهوية هو أسلوب من أساليب تأكيد الذات، وإثبات الوجود وتحقيق الاستقرار والطمأنينة. ولكن هذا السؤال الذي فرض نفسه على الإنسانية سؤال من أنا؟ وكذلك سؤال من تحن؟ هو سؤال محيّر لأنّه لا يتعلّق بالحاضر بل يتعلّق أكثر بالماضي والحاضر والمستقبل. وهذا ما يدفعنا اليوم لمساءلة هذا المعنى. فما هي دلالته؟ وما هي الإشكاليات التي يثيرها؟
حركة النّص:
1/ في دلالة الهوية الشخصية:
أ/ معنى الشخص:
ب/ في التمييز بين الهوية والهوية الشخصية:
2/ استتبا عات هذا التحديد:
التحليل:
     1/ أ- الهوية الشخصية بالنسبة لـ"لوك"، هي نظرة الذات لذاتها، إنّه يحدّد  الهوية الشخصية من خلال تحديده لمفهوم الشخص، والشخص عنده هو "كـائن مفكـّر وذكيّ"، وهو الذي يدرك ويدرك أنّه يدرك. وهذا يعني أن "لوك" بتوحيده بين الوعي والنفس يعزل الوعي عن بقية العالم ويميز راديكاليا بين الهوية بالوعي والهوية بأي شيء آخر غير الوعي أو الشخص لأن الوعي هو الذي يحدّد الشخص، والشخص لا تكون هويته مثل بقية الكائنات الحية مدركة من الخارج، إنّه كائن مفكر وذكيّ، لا يتدخل لا الجسد ولا اعتراف الآخر في يقين هويته. فهويته الشخصية إذن تتحدّد بتواصل الفكر في الزمان والمكان، فهي الإحساس اللامنقطع للشخص بأنه هو عينه. إذن مشكل الهوية عند "لوك" هو مشكل معرفة أو بالأحرى مشكل تعرف لا مشكل أنطولوجي، والخاصية التي تجعلنا نعتبر شيئا ما هو هو لا شيئا آخر.
هكذا يعتبر الإنسان في تقدير "لوك" هوية شخصية Identité personelle : تحيل على ما تختصّ به الذات من تفرّد ووحدة وتشمل الوعي بالذات وتمثّل الفرد لها.
ب- بهذا الفهم، ميّز "لوك" الهوية الشخصية عن باقي الهويات الأخرى مثل:
* الهوية العددية: عندما يتعلق الأمر بجسم فيزيائي، فإن الهوية تكون عددية وتتغير بتغير عدد الذرّات التي تكوّن هذا الجسم، فشيئين متماثلين يختلفان عدديا من جهة اعتبارهما اثنين.
* الهوية النوعية: عندما يتعلّق الأمر بكائنات حية فإن العدد لا يكفي بما أنّ أجزاء الجسم الحي تتغير باستمرار في حين يبقى الجسد هو هو، إذ هو نفس الكائن الحي فالمهر والحصان هما نفس الكائن الحي. والهوية هنا تتحدّد بتنظيم الأجزاء. ولكن هذه الهوية تُحمل أيضا على الآلات الصناعية وكذلك شأن الهوية الإنسانية فإنها تُقال بهذا المعنى حسب "لوك" إذ هي تُقال على الإنسان من جهة كونه كائنا حيا يتميز بشكل ما أو بصورة ما، وإذا ما غير الإنسان شكله أو صورته  ويتخذ مثلا صورة كائن آخر ويحافظ على روحه فإنه لا يمكن أن يعين كإنسان رغم كونه عاقل. وبالمثل إذا اتخذ ببغاء شكل إنسان وصورته فإنه سيتعيّن من طرف الآخرين كإنسان لا كببغاء، وهذا يعني أن الانطباع التجريبي الحاصل للآخر هو الذي يؤسس الهوية الإنسانية.
وإلى جانب ما بينه"لوك" يمكن الإشارة إلى:
* الهوية المنطقية: وهي علاقة التّساوي بين شيئين اثنين، كقولنا: الإنسان = حيوان ناطق. إذن للهوية المنطقية معنى ثابت: الهو هو.
* الهوية الاجتماعية: Identité sociale   : تعني كلّ ما يؤمّن التعرّف إلى الذات من الخارج وترتبط بجملة الأنظمة التي تشترك فيها الذات مع  الأعضاء الآخرين  داخل المجتمع الواحد . وتمثل الأساس الذي يستمد منه أي مجتمع اختلافه وتميّزه عن مجتمع آخر.
* الهوية الثقافية: Identité culturelle  : تتضمّن كل ما هو مشترك بين جميع أفراد المجتمع مثل القواعد والمثل والقيم التي يشترك فيها الفرد مع بقية أفراد المجتمع.ويمكن أن نتحدث أيضا عن هوية بينثقافية interculturelle Identité في حالة التبادل والحوار بين ثقافات مختلفة.
       وأخيرا يمكن القول أنّ الهوية تعني ما به يكون الشيء هو نفسه. فهي حقيقة الشيء أو الشخص المشتملة على صفاته الجوهرية العينية، ونجد في التراث الفكري العربي أن الهوية تشير إلى الخصوصية والوجود المنفرد الذي لا يقع فيه اشتراك. فكل ما كان في جانب العينية والهوية والذاتية والوحدة يميل إلى التطابق والمساواة والتماثل. أما ما كان مخالفا للهوية والعينية والذاتية فهو غير وسوى ومختلف. والدلالة نفسها نجدها في التصور المعاصر، فالهوية تعبّر عن خاصية المطابقة: مطابقة الشيء لنفسه. وقد أورد "معجم روبير" الفرنسي بأنّ الهوية تدلّ على الميزة الثابتة في الذات، إنها ميزة ما هو متماثل، سواء تعلق الأمر بعلاقة الاستمرارية التي يقيمها فرد ما مع ذاته أم من جهة العلاقات التي يقيمها مع الوقائع على اختلاف أشكالها. لكنّ الهويّة لا تفهم دائما في إطار المطابقة الصرفة مع الذات وإنّما في تفاعل مع ما هو مغاير أو مختلف.
         2- غير أن تركيز "جون لوك" على الهوية الشخصية بما هي ما تختصّ به الذات من تفرّد ووحدة يشمل  الوعي بالذات وتمثل الفرد لها لا يؤمّن لنا إدراك هوية هذا الشخص من جهة انتمائه الاجتماعي أو الثقافي لذلك يجب أن لا تفهم دائما في إطار المطابقة الصرفة مع الذات وإنّما في تفاعل مع ما هو مغاير أو مختلف.
يتحدّث الفلاسفة اليوم وخاصة علماء الاجتماع عن هوية اجتماعية تتمثل في كلّ ما يؤمّن التعرف على الذات من الخارج وترتبط بجملة من الأنظمة التي تشترك فيها الذات مع الأعضاء الآخرين داخل المجتمع الواحد، فالهوية الاجتماعية تمثل الأساس الذي يستمدّ منه أيّ مجتمع اختلافه وتميّزه عن المجتمعات الأخرى، كما يتحدث الأنثروبولوجيّون عن هوية ثقافية تتضمّن كل ما هو مشترك بين جميع أفراد المجتمع. و هكذا يمكن القول عموما بأن الهوية تعني ما به يكون الشيء هو نفسه، فهي حقيقة الشيء أو الشخص المشتملة على صفاته العينية فالهوية تشير إلى الخصوصية والوجود المتفرّد الذي لا يقع فيه اشتراك ، فهذه التصورات الجديدة تؤكّد على أمر مهم قد أنكره"لوك" ألا وهو تاريخية الهوية، فلا توجد هوية ثابتة ومطلقة ومنغلقة عن خصوصيتها.إن كل تمسك بالهوية الشخصية، ينتهي إلى نتائج سلبية، أهمّها إقصاء الآخر المختلف ثقافيا، ودينيا، ولغويا، وعرقيا إلى خارج الإنسانية والحضارة، من خلال اتهامه بالتوحّش والبربرية، وهذا يؤدي إلى العنف والتعصّب ومنه إلى تأزّم الهوية نفسها.
خلاصة القول أن مطلب الهوية بالنسبة لكل فرد وكل جماعة هو شرط وجود، لأنه من دون تعريف الذات على نحو يمنح الوحدة المستمرة والترابط بين الخصائص والتصورات والقيم والأدوار والوظائف والاختلاف عن الغير والقدرة على الفعل لا يمكن إثبات الوجود والاضطلاع به فعليا. ولكن التمسك بالخصوصية سيقترن بمخاطر الانسياق نحو كبرياء نرجسي يختزل ما هو إنساني في تلك الخصوصية ليقصي كل غير خارجها معتبرا إيّاه أقلّ قيمة، فتكون نتيجة ذلك "المركزية الإثنية".



ليست هناك تعليقات:

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم