الحقيقة والنمذجة


العلم بين الحقيقة والنمذجة
مدخل اشكالي:
العلم هو معرفة مخصوصة تتميّز عن بقية المعارف بموضوعها، ثم بمنهجها الصارم وبيقينية نتائجها. وقد اكتسب العلم هذه الميزة منذ العصر الحديث، مع قيام علوم الطبيعة(فيزياء، بيولوجيا، فلك)، ثم العلوم الصورية في صيغتها المجددة (منطق ورياضيات)، ولاحقا علوم الإنسان وإن ببعض الارتباك في توازنها الإبستمولوجي(علم النفس،الاجتماع، التاريخ، الاقتصاد السياسي.....)،وأخيرا علوم الأنساق(السيبرنيطيقا أو علوم الافتراضي، البرمجيات، الإعلامية وعلوم الاتصالات .
←العلم: هو معرفة عقلية¸موضوعية ←هدفه: عقلنة الواقع موضوعيا# الفلسفة: معرفة عقلية ذاتية= هدفها عقلنة الواقع ذاتيا
ما معنى عقلنة الواقع?
المقصود هنا بالعقلنة هو عملية تمثل  مجردة للواقع من أجل تبسيطه .
ج.غ. غرانجي « تتمثل عقلانية العلم في المقام الأول قي بناء رسوم مجردة نسميها نماذج وهي قادرة على تمثيل الظواهر simulation »
ما يمكن أن نستنتجه من خلال هذا القول أن هدف العلم هو تبسيط ما هو معقد في الواقع من أجل حسن تمثله.
و يمكن أن نقف عند مثال في مجال علم الفلك من خلال الوضعية الاستكشافية الأولى صفحة 217.
·        خصائص نظرية بطليموس :
-         الأرض مركز الكون –ثابتة- مسطحة.
-         حولها خمس كواكب سيارة: تقهقرية.
-         الشمس هي كوكب حول الأرض.
-         الكون مغلق نهائي.
-         تحكمه عناية الهية. 

·        خصائص نظرية نيوتن :
-         مركزية الشمس
-         اكتشاف لعدة كواكب و مذنبات
-         حركة الكواكب: حول نفسها و حول الشمس
-         الكون لا متناهي
-         تحكمه قوانين مادية

·        نقاط الالتقاء: كلاهما قدم نظرية للكون : في شكل رسم مجرد= تمثيل = افتراض للكون بما هو واقع مادي= اختزال نظري للواقع المادي=>هذه العملية نسميها: النمذجة modelisation
= كلاهما قدم نموذجا حول الكون.
=>في العلم الواحد تتعدد النماذج
_ هل يمكن المفاضلة بين هذه النماذج العلمية?
 عن هذا السؤال يجيبنا هيزمبرغ: لا يمكن المفاضلة بينهما لان كلاهما قدم نموذجا من أجل تبسيط الكون المعقد، ولكن يمكن القول أن نموذج نيوتن هو أكثر نجاحا لأنّه عملية تمثيل رياضي بينما نمذجة بطليموس هي تمثيل تصويري فلسفي فالتمثيل الرياضي يقدم نتائج أدق، انطلاقا من هذا المثال يمكن طرح الأسئلة التالية:
ماذا نعني بالنموذج? ما هي شروط بنائه? وإذا كان النموذج مجردا ما طبيعة هذا التجريد? و ما الفرق بين الاستعمال الفلسفي للنموذج    و الاستعمال العلمي?
يبدو أنّه في مجال العلم لم نعد نتحدث عن نموذج واحد بل عن نماذج : نماذج رياضية نماذج منطقية فلكية و من جهة أخرى نماذج تهم العلوم التجريبية فما الفرق بين النموذج في الرياضيات ? و النموذج في بقية العلوم الاخرى التي اهتمت بالواقع? هل يمكن اعتبار اختلاف النماذج دليلا على تنوع المعارف العلمية? و كيف تتجانس نماذج مختلفة داخل العلم الواحد? و ما العلاقة اليوم بين النماذج العلمية و النماذج التقنية ?
اذا يمكن القول اليوم أن عصرنا هو عصر النماذج العلمية التي أصبحت تسود كل المجالات الانسانية و كان العلم اليوم لم يعد يفكر إلا بالاستناد الى النماذج و هذا الانتشار قد يطرح العديد من الاشكاليات :

-   مشكلا ابستيمولوجيا: هل يمكن للنموذج أن يستوفي الواقع? أليس بالواقع من التعقيد ما يحتجب عن فعل النمذجة؟ (الحدود  الابستمولوجية)
-    مشكلات ذات طابع فلسفي: أليس في الاغراق داخل النمذجة ما يؤدي بالعلم الى اهمال  القضايا الانتروبولوجية للإنسان ? ألا تؤدي النمذجة الى تحييد مطلب المعنى و الايتيقا من دائرة اهتمامها ?
-  اذا كان العلم المنمذج مطلبه النجاعة أليس في ذلك ما يوحي بوجود تحالف بين العلم و الأديولوجيا ? ألا تدعونا النمذجة إلى اعادة التفكير في مسؤولية العلم لاستعادة ما سقطت فيه النمذجة من نسيان لمطلب المعنى و الايتيقا ? (الحدود  الفلسفية)


1 ) في دلالة النّموذج:
النص: "في أصل النماذج" لـ : ۥنوال مولود. صفحة : 221
 الاشكالية : على أي نحو يمكن تحديد معنى النموذج?
و هل هناك نموذج في العلم أم نماذج ?الأطروحة: يؤكد الكاتب أن تحديد النموذج العلمي يجب أن يكون بمعزل عن ما ورد في الخطاب الفلسفي كما يؤكد على تعدد النماذج العلمية .
التحليل:ان النّموذج كما ذهب الى ذلك نوال مولود هو التصميم أي الشيء المصغر لواقع كبير وفقا لشكل مبسط أو انتاج خصائص ذات أبعاد كبرى فالنموذج بهذا المعنى هو التبسيط لواقع معقد أو هو اختزالا له. يقول  الابستمولوجي المعاصر
باسكال نوفيل « أن نضع نموذجا هو أن نبسط وضعية ما» و بالعودة الى العلم يمكن الوقوف عند أمثلة مختلفة:مثال 1: الخرائط السكانية في علم الجغرافيا هي تصاميم مصغرة لأشياء كبرى فالخرائط ليست هي الأرض في حد ذاتها بل هي تصميم افتراضي للأرض ونفس المثال ينطبق في مجال علم الفلك أو الطب أو التقنية. اذا النموذج هو القدرة على التبسيط و الاختزال و هو اختزال افتراضي " virtuel  "   و مجرد أي هو تمثيل مجرد لواقع مادي معقد . تمثيل : simulation=> المحاكاة .
يقول 
باسكال نوفيل « لكل نموذج دور تصويري تمثيلي يرتكز على لغة رياضية»
=> نستنتج من خلال هذا القول أن كل نمذجة علمية هي نمذجة رياضية . فالرياضيات هي الحقل الذي نشأت فيه النمذجة الى جانب المنطق و لكنها امتدت لا حقا الى العلوم الأخرى مثل علم الفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا و الاقتصاد و الهندسة و الاعلامية... حيث تحولت النمذجة الى اجراء فني لا يمكن التخلي عنه داخل العلم و في هذا السياق ذهب 
بول ريكور إلى نفس هذا التمييز بين النماذج أصناف مختلفة:
- النموذج بما هو تصميم ( 
(maquette أي انشاء تصاميم مصغرة  أو مكبرة للأشياء مع الحفاظ على خصائصها.
- النموذج بما هو تمثيل : وهي نمذجة رقمية تعتمد على معطيات مجردة و رياضية أي يتم اختزال الظاهرة وفق معادلة رقمية مثال استعمال الوصلات الكهربائية في الحاسبات الالكترونية أو غرفة تعلم قيادة الطائرات...الخ.- النموذج بما هو نظري : هذه النماذج توجد خاصة في مجال الرياضيات و المنطق و الفيزياء وهي عبارة عن بناء نظري افتراضي لا يعمل على التشابه أو المماثلة مع الظاهرة العينية بل هو صورة  نظرية مجردة مثل تظرية الجاذبية الكونية مع 
نيوتن فهي نسق مبني بناء نظريا و افتراضيا و بهذا يكون النسق كذلك معنى من معاني النموذج. إلا أن هذه النماذج بقدر ما هي مجردة و افتراضية فهي في علاقة بالواقع. فماهية طبيعة العلاقة بين النموذج و الواقع ? و ماذا نعني بالواقع ?
- الواقع← المحسوس / الموجود / المادي/ ما هو مباشر =>المعطى .
         ← بناء/ مبني/ منشأ عقليا، واقع اصطناعي افتراضي. النموذج بناء و اكتشاف للواقع أي أنه لا ينطلق من الواقع المعطى بل هو انشاء له. يقول بول فاليري « اننا لا نفكر إلا من خلال النماذج»كما يقول أيضا « الحقائق هي أشياء نضيفها لا أشياء نكتشفها انها بناءات و ليست كنوز»
 =>اذا 
النمذجة العلمية: هي عملية إنشاء و توليد نماذج مجردة أو اصطلاحية، يتجلى بوضوح هذا التعريف في النماذج العلمية و خاصة الرياضيات فكل نموذج علمي هو نموذج رياضي مطبق في بقية العلوم الدراسة للواقع. النماذج العلمية هي أنساق سواء كانت صورية أو طبيعية أو صناعية و هذه المماهات بين النموذج و النسق عبر عنها جون لويس لوموانييبقوله كان مونتسكيو وهو من فلاسفة القرن 18 كانوا يستعملون كلمة نسق ليشيروا تقريبا الى ما نعنيه اليوم بنموذج علمي أو تقني.
يميز الكاتب بين النموذج العلمي ومفهوم المثال في الفلسفة ويعطي مثال التعريف الأفلاطوني
← النموذج في معناه الفلسفي الصورة المثلى التي عدلت عليها الموجودات.
عالم الموجودات الحسية= الكثرة/ الفوضى/ الظن/الوهم.عالم الموجودات الحسية= الكثرة/ الفوضى/ الظن/الوهم.
   عالم المثل: الوحدة : النظام= الحقيقة النموذجية = الباراديغم: مصطلح استخدمه للمرة الاولى توماس كوهن في كتابه " بنية الثورات العلمية " 1962 ، ليفسر عملية و نتيجة التغيير التي تحدث ضمن المقدمات و الفرضيات الاساسية لنظرية لها القيادة للعلم في مرحلة محددة من الزمن. منذ ان استخدمها كوهن انتشر استعمالها بشكل واسع ، حتى في محالات اخرى من التجربة الانسانية.تحول الباراديغم هو الثورة العلمية حسب توماس كوهن.انه ثورة في النمط العلمي بشكل ادق ، حيث ان مفردة الباراديغم تعني "النمط الفكري" . تحدث الثورة العلمية ، حسب كوهن، عندما يواجه العلماء مشاكلا لا يمكن حلها حسب النمط السائد عالميا ،و لهذا يجب ، من حل هذه المشاكل ، تجاوز هذا النمط ، بإلاضافة إلى تكوين نظرية جديدة.الباراديغم ، بهذا المعنى ، هو ليس النظرية السائدة الحالية ، بل هو الرؤية للعالم ، و التي تحتوي على هذه النظرية ، و كل المعاني المتضمنة داخل هذه الرؤية. حسب كوهن ، كل باردايغم ، يحتوى على مشاكل معينة ، يتعامل معها العلماء على انها حد ادنى و مقبول من الخطأ.
 و يعني في هذا السياق بالبراديغم هو الروح العلمية و الشروط التي يجب أن تتوفر في كل نموذج علمي اذا هو النموذج العام الذي تبعته كل النماذج العلمية في كل أبعادها التركيبية و الدلالية و التداولية.
  - يمكن أن نستنتج بناء على ما سبق أن النمذجة هي تنسيق و تنظيم سواء تعلق الأمر بتنسيق أمور مجردة لا شأن لها بالواقع[ البعد التركيبي] ولكن هذه الرموز المجردة غايتها ليست لذاتها بل من أجل تفسير الواقع و الإحالة عليه علية[ البعد الدلالي ] و ذلك من أجل الاستعمالات و تحقيق مطلب النجاعة [البعد التداولي ].
I أبعاد النمذجة:1- البعد التركيبي:ميّز ميشال أرمات في لفظ النموذج بين خمسة معاني مختلفة: منها ما يدل على النموذج بوصفهمثالا  مرجعا(1) نعيد إنتاجه في نسخ عديدة كما هو الحال في فن الرسم. ومنها ما يدل على التصميم(2) مثلما هو الحال في عمل المهندس المعماري. ومنها ما يدل على المثل الأعلى(3) كقولنا نموذج النقاوة أو نموذج الجمال والخير. وفي معنى آخر يدل النموذج على الإيقونة أو علىالجهاز الميكانيكي(4)الذي يجسم الفكرة المجردة ويترجمها. وأخيرا النموذج بمعنى الصورنة المنطقية-الرياضية(5)، والذي يمثل نسقا مجردا. "هذا المعنى الأخير هو الذي يعنينا بالتحديد" أكثر من غيره. إثر هذا التقديم يتساءل أرمات: هل وجب علينا تمييز النموذج العلمي عن عمليات الترييض التي أجراها العلماء على مدى عقود من نشاطهم، ومنذ القرن 17 ؟ أية مقاييس تسمح لنا بتقديم مقولة النموذج هذه على أنها مستحدثة وخاصة ؟
يمكننا صياغة تعريف عام للنموذج تنضوي تحته جميع الأنساق الرياضية السائدة، ويكون على النحو التالي: النموذج هو تمثيل معطى واقعي بواسطة نسق صوري، يسمح لنا بتحليله وتفسير نمط اشتغاله، قدر ما يسمح لنا بالتدخل من أجل التحكم في هذا المعطى أو تطويره.يقول ميشال أرمات: " لدينا مع ذلك أسباب وجيهة للإحجام عن إسقاط معنى النموذج على كل أشكال الترييض التاريخية " . وأول هذه الأسباب يتمثل في أن الحديث عن نموذج ضمن علوم الفيزياء قبل 1860، أو ضمن علوم الرياضيات قبل 1900، أو ضمن العلوم الاجتماعية قبل 1920 هو محض مفارقة تاريخية بالنظر إلى المعجم المستخدم من قبل العلماء المشتغلين بهذه الميادين. نفهم من هذه الإشارة أن وظيفة الرياضيات تحولت مع نسق تطور العلوم ومع تطور مفهوم الواقع العلمي؛ ففي الطور التجريبي الذي عرفته النظريات الكلاسيكية، اقتصر دور الرياضيات على تزويد العلماء بلغة تتمتع بالدقة والصرامة والاقتصاد في التعبير. كانت الرياضيات مجرد أداة في خدمة العلوم فحسب. وبمباشرة العلوم واقعا جديدا ، لامتناهيا في الصغر (ميكروفيزيائيا)، تتعذر فيه الملاحظة والتجريب، بات على العلماء أن يبحثوا عن منهج جديد يسمح لهم بصياغة مشكلات العلم ومعالجتها. وبهذا دخل الترييض في صلب منطق الاكتشاف العلمي بعد أن كان أداة إحصائية ولغة دقيقة ، متهيئا لهذه الوظيفة بما أفرزته الثورة الأكسيومية من تحولات في بنية التفكير الرياضي. لقد كان " الرياضي الخالص ينكبُّ على إنشاء بنى صورية، دون الاهتمام بمعرفة ما إذا كان يمكن استخدامها خارج الرياضيات (...) بينما يحدث في المقابل أن يتعرّف الفيزيائي، من بين البناءات الصورية المجانية في الظاهر، إلى الجهاز الصوري الذي يناسبه " على حد عبارة روبير بلانشىٍ، في كتابه "الاستقراء العلمي والقوانين الطبيعية" . اتّحد بفضل الأكسيومية علم الرياضيات بالمنطق. لقد أوغلت الرياضيات في الصورنة، بمعنى أنها تخلصت بشكل ملحوظ من الحدوس الحسية والخبرية لصالح الصورة المجردة. فانتقل هكذا مركز الاهتمام في الاستدلال الرياضي من الكائن إلى البنية. وأصبحت  تهمنا العلاقات والبناء المنطقي للنسق أكثر مما تهمنا المكونات والحدود.
* الأكسمة: تعني في مجال الرياضيات انتقالا من النسق الاستنتاجي إلى النسق الفرضي-الاستنتاجي، مع ما يشترطه هذا الانتقال من ترميز وصورنة  ضروريين من أجل تماسك البناء الرياضي وكماله.
* الترميز: يؤكد بلانشى في كتابه " الأكسيومية" أنه من المستحيل عمليا تحقيق شروط صارمة إذا تواصل التعبير باللغة المتداولة، بما تحمله من عدم الدقة. لذا كان الغرض من إدراج الترميز في الأنساق المؤكسمة هو تخليص القضايا والحدود والمفاهيم الرياضية من شوائب الخبرة الحسية، فيعني الترميز إذن استبدال الكائنات الرياضية بعلامات تمثلها، أي استبدال المفاهيم بالرموز الخاوية من كل ثقل حدسي دون التخلي عن شروط الصرامة الصورية.
* الصورنة: الترميز هو ضمانة الصورنة. فإذا كان الترميز يهم الحدود والقضايا التي يطرحها الرياضي افتراضيا، ويختارها بحرية ، فإن الصورنة تهم القواعد التي يتم في ضوئها تقدير صلاحية النظرية. وتعني الصورنة هنا أيضا استبعاد كل ما هو حدسي وذاتي من القواعد التي نستدل وفقها. بحيث تغدو الأوليات المؤسسة للاستدلال مجرد مواضعات تُطرح بشكل افتراضي أو حتى اعتباطي. كل رياضي حرّ في بناء منطقه كما يرغب، شريطة أن ينص على هذا البناء بوضوح، وأن يتّبعه فيما بعد بشكل صارم.
كان من آثار هذه الثورة الأكسيومية  أن تقدمت الرياضيات كثيرا في اتجاه التجريد والتماسك. ولئن كان اختيار المسلمات التي توضع أساسا لأكسيومية ما اعتباطيا من بعض الوجوه، فإنه مع ذلك ليس متروكا للصدفة، إذ يظل خاضعا لشروط داخلية مختلفة وملحة، لعل أهمها هو شرط التماسك، والذي يعني متانة البناء بحيث يخلو من التناقض.
 فتكون الحقيقة الناتجة عنه على غاية من اليقين. ولما كانت ترتهن بمقدمات النسق وبطريقة بنائه، غدت تعرف بالصلاحية. وتبقى أمامنا طريقتان لإثبات تماسك النظرية وصلاحيتها:
* الاختزال: وذلك باستدعاء نظرية أخرى سابقة تساعدنا على بناء تأويل متماسك. وإذا كان اختيار هذه النظرية-الشاهدة 
théorie- témoinمناسبا، يكون كافيا من الناحية العملية.
* قابلية التحقيق: وذلك بتقديم تحقيق في عالم الأشياء. فبدل رد النظرية إلى نظرية سابقة، نتولى بناء نموذج فيزيائي يشهد على مدى تلاؤمها مع الواقع، ويؤكد قدرتها على استيعاب متغيراته. فنتحقق بالتالي من مرونتها، ومن خصوبتها وإجرائيتها.
لا يعاين العلماء فعالية الأكسمة وثرائها إلا عند الشروع في عملية النمذجة، كل في حقل اختصاصه. ولأن الأنساق الأكثر تماسكا من جهة بنائها المنطقي، هي الأشد فقرا من جهة مضمونها الحسي، فإن مختلف اختصاصات العلم لا تجد صعوبة في توظيفها.
لم تعد مفاهيم النسق والصورنة والترميز حكرا على الرياضيات، لقد انتقلت من الرياضيات إلى ميادين جديدة لتترجم عن ثورة حقيقية في ميادين البرمجيات وعلوم الافتراضي والاتصالات وغيرها... وهي علوم بات لا غنى عنها في تطوير نشاط النمذجة داخل اختصاصات متعددة. هذا ما حمل لومواني على تعريف الصورنة بعملية معرفية  يتحوّل بمقتضاها فعل ما أو نسق ملموس إلى صورة (أو نسق مجرد) .
 ويؤكد نوال مولود هذا الرأي بقوله:" تختلف أهمية النماذج الرياضية  وحاجتنا إليها بحسب الاختصاصات"كأنّ مقتضيات التركيب الناجح تفرض على المنمذج تكييف أدواته مع كل موضوع جديد.
انطلاقا من هذه الإشارات، يحصر لومواني قواعد الصورنة في خاصّيتين أساسيّتين هما:أ)- قاعدة الصّرامة: وهي تعني أن القواعد المستخدمة في النسق المبني تكون معلنة منذ البداية كما لو كانت قواعد متفقا بشأنها.
ب)- قاعدة التحقق، أو امكانية التحقق في الواقع: وهي تشترط في عملية الصورنة بما هي عمل حقيقي وشمولي أن تكون ممكنة الإنجاز،أي تنجح في نمذجة الواقع المستعصي على الفهم والوصف.
إذا "وظيفة النمذجة هي تحويل المفاهيم النظرية إلى مسارات بناء الظواهر" حسب جون بتيتو.ولأن الواقع يتسم بالتعقيد حيث تتشعب فيه الظواهر وتتخفى وراء أنساق من التقطعات والأشكال، تكون النمذجة الديناميكية هي الطريقة المثلى للسيطرة على هذا التعقيد, وبصورة عامة بات تعقيد الأنساق الطبيعية، فيزيائية كانت أو بيولوجية، أو اجتماعية، أكثر قابلية للنمذجة وفقا للطرق التي طوّعها العلماء وصارت مناسبة لاختصاصاتهم.
لقد شرعنا ننمذج بنجاح عديد الأنساق الفيزيائية و البيولوجية ونترجمها إلى أنساق رقمية، مثلما ننمذج بنجاح أيضا مجالات إيكولوجية أو مجتمعية أو اقتصادية وغيرها.... ومكنتنا أساليب النمذجة من فهم عدد كبير من الظواهر الخاصة والنوعية.
2- البعد الدّلالي:النص" الافتراضي الواقعي" لـ : ج . ق . غرانجي
تخلص: إن النمذجة في بعدها التركيبي قد اتجهت نحو الصورية و الأكسمة وإلى البنية أي انشاء الواقع  و هذا يعني أن العلم لا ينطلق من الواقع بل يتوجه اليه اذ أن من شروط النمذجة بناء واقع افتراضي و هذا ما تكشف عنه النمذجة في بعدها الدلالي خاصة في العلوم التجريبية.
الأطروحة :يؤكد الكاتب على أن العلم لا ينطلق من الواقع بل يفترضه مستبعدا اعتبار العلم معرفة لاكتشاف الواقع.التحليل:
1-      في دلالتي الواقعي و الافتراضي :
الواقعي : أي المعطى العيني المباشر أو هو المعطى المرئي و يمكن أن نسميه أيضا الراهن ( المعطى : الواقع الحسي المباشر) .الافتراضي : يقصد به 
غرانجي الواقع المبني أي ما يفترضه الذهن و هو صورة للواقع لا كما هو بل كما نتخيله و يسمي غرانجي الافتراضي بعلم اللاراهن ( الواقع المبني ) .فبأي معنى يتجه العلم نحو الافتراضي من أجل تفسير الواقعي ?2-      العلاقة بين الافتراضي و الواقعي :
لقد اعتبر 
غرانجي أننا في العلم لا ننطلق من الواقع بل من الافتراضي أي لا ننطلق من الواقع كما هو بل نفترضه و نتمثله ذهنيا، العلم ينطلق من الافتراضي و يحوله الى نظرية.العلاقة بين الافتراضي و الواقعي : العلم يتوجه الى الواقع بجملة من الافتراضات .                                          ← [العلم : مثال : العلوم التجريبية ( الفيزياء و البيولوجيا )] => نستنتج أن المعرفة العلمية في تقدير غرا نجي هي معرفة تبنيي الواقع اللاراهن حيث أن الحقيقة العلمية هي حقيقة انشائية و في هذا السياق يؤكد Bruno Jarrossan  " لا بد من الانتباه الى البداهة التالية : و هي أننا لا نرى العالم كما هو و انما نتمثله" : ان النمذجة في بعدها الدلالي انما تحيل على معنى الافتراض، فالنمذجة هي اختزال و تبسيط و الافتراض هو بناء واقع له دلالة افتراضية و يمكن أن نذكر بعض الأمثلة من العلوم الفيزيائية :
* النموذج الميكروفيزيائي : الذي يهتم 
بالأجسام المجهرية   ـ مكونات الذرة التي أصبحت قابلة للتجزئة بعد أن كانت مع نيوتن هي أصغر جسم في الطبيعة و غير قابلة للتجزئة.ـ مكونات الذرة : هي جسيمات لا مرئية لا مادية / هي ضوئيةو تعتمد هذه الفيزياء المعاصرة على البعد الافتراضي اذ بين هيزنبورغ أنه لا يمكن أن نتوقع بدقة موقع و سرعة الالكترون حول النواة فقدم افتراضات و احتمالات حول موقع و سرعة الكهرباء حول النواة.
ـ الفيزيائي ينشيء واقع علمي افتراضي من أجل تفسير و تبسيط ظاهرة طبيعية معقدة اذا النموذج العلمي يفسر المرئي المعقد باللا مرئي البسيط هذا يعني أن النمذجة العلمية لا تنطلق من الواقع كما هو بل انها تنطلق من صورة مفترضة حول الواقع يقول 
غاستون باشلار  " ان العلم لا ينطلق من الواقع بل يذهب إليه".  فما هي تبعات ذلك على تصورنا للحقيقة العلمية ?
يبدو من خلال ما يبينه 
غرانجي أن الحقيقة العلمية أصبحت حقيقة نسبية أي لم نعد بصدد حقيقة واحدة مطلقة و نهائية لم نعد بصدد الحقيقة بما هي التطابق بين الفكر و الواقع بل أصبحت الحقيقة ما يفترضها الباحث: أي أن الحقيقة هي تلك النتيجة الملائمة مع الافتراض فكلما تتغير الافتراضات تتغير النتائج و بالتالي الحقيقة العلمية كما يقول غاستون باشلار " لا توجد في العالم حقائق نهائية بل توجد أخطاء أولية " المقصود بالخطأ في هذا القول هو أن غاستون باشلار يعتبر أن تاريخ العلم و تطوره هو تاريخ تصحيح أخطائه و لكن هذا لا يعني أن الحقيقة العلمية بما هي افتراضية ليست في علاقة بالواقع بل هي تعبر عن دلالة ما لهذا الواقع و هي ما يسميها باشلار بالعقلانية المطبقة. فهل يعني ذلك أن النموذج العلمي كنموذج تقريبي افتراضي يمكن أن يمتدّ الى كل المجالات العلمية الأخرى ?3ـ البعد التداولي :
النص : " نموذج أو نماذج " لـ 
:" برتلنفي "
الاشكالية: هل يوجد نموذج كوني وحيد أم توجد نماذج؟ و ما هي التبعات الابستمولوجية لمسألة النمذجة على تصورنا لمفهوم الحقيقة العلمية ?
التحليل:
1ـ استبعاد القول بوجود نموذج كوني واحد :لقد استبعد " برتلنفي " امكانية وجود نموذج كوني وحيد فالعلم رغم نزوعه نحو الكلي , الكوني ( من خلال مطلب الموضوعية إلا أنه مع ذلك لا يستخدم نموذجا واحدا و ذلك على عكس ما ذهب اليه الابستمولوجي 
"بيار دوهام " الذي اعتبر أن العلوم تجمعها بنية مشتركة و أن هذه البنية هي النمذجة العلمية المشتركة بين كل العلوم يقول " ان النماذج العلمية تتكلم لغة واحدة "لقد استبعد " برتلنفي " هذا الموقف و أكد على تنوع النماذج، فما هي مبرراته العلمية على ذلك ? لقد بين أن النموذج يقوم على ثنائية المعلومة - التنظيم أي هناك شكل من أشكال النجاعة التي تحكم النمذجة، فالغرض من النمذجة هو تنظيم المعطيات و المعلومات. اذا اختلاف الحاجات و الاستعمالات يؤدي الى اختلاف النماذج فكل نموذج علمي يمتلك لغة خاصة و استعمالا خاصا. مثال : تعدد النماذج في الفيزياء : النموذج الماكروفيزيائي , النموذج الميكروفيزيائي . فكل نموذج نحتاجه لغاية محددة حسب الموضوع المدروس فاستعمال أي نموذج دون آخر يعود الى مطلب النجاعة. و كما توظف النماذج في أغراض علمية حسب حاجة الانسان اليومية. كما تتعدد النماذج في مجال الهندسة من أجل غايات استعمالية نفعية كتطوير الآلات مثلا أو في مجال علم الاقتصاد من أجل قياس النمو الاقتصادي أو قياس نسب البطالة أو قياس ارتفاع أو انخفاض الأسعار. إن العلوم التطبيقية اليوم تحاكي النماذج النظرية . يقول هانس فرودنتال : " نحن ندرس دوران الهوى في منجم أو الدورة الدموية في الأوعية الدموية بمحاكاتها لنموذج الدارة الكهربائية". هكذا تصبح للنماذج العلمية الصورية أبعادا تداولية مختلفة فالنماذج العلمية بسطت الظواهر المعقدة للإنسان يقول جون لويس لوموانيو : " نحن لا ندرك مشاريعنا و لا نستوعب سلوكاتنا إلا بالاستعانة بنماذج رمزية".
اذا النمذجة طريقة ممتازة لأنها تنتج عددا لا محدودا من الأعمال يقول  لوموانيو: " انها تتجاوز الطبيعة لأن أشكالها الأساسية محدودة بينما الأعمال التي تطلبها العين من يد الانسان لا حد لها " .
ان الخيط الناظم بين كل النماذج العلمية هو أنها تنطلق من الواقع المبني الافتراضي و لكنها لا توجد مقاربة واحدة للواقع بل مقاربات لأنه لا يوجد نموذج بل نماذج . و هذا ما يثير بعض الاحراجات الابستمولوجية. إلى أي مدى يمكن للنمذجة العلمية أن تستوفي صورة الواقع هل يمكن للعلم فعليا أن يتمثل الواقع على نحو دقيق و نهائي ?IIـ النمذجة و مطلب الحقيقة :
1ـ الحدود الابستمولوجية :
النص : " هل العلم وصفات " لـ : 
برناردي إسبانا تمهيد: ان النمذجة العلمية في صورتها التركيبية و الدلالية و التداولية كان مطلبها مقاربة الواقع و تفسيره لكن ظلت هذه المقاربة من الناحة الابستمولوجية تقريبية فكلما تغير النموذج العلمي إلا و تغيرت صورة الواقع. إن هذا الوضع الابستمولوجي يكشف عن " معنى القطيعة الابستمولوجية  " فما الذي نعنيه بالقطيعة الابستمولوجية ?
إن القطيعة الابستمولوجية تعني حسب 
بشلار أن يكشف العلم في لحظة ما أخطاء العلم السابق فيقطع معه ليتأسس على أسس علمية دقيقة أما توماس كون فقد ذهب في كتابه "بنية الثورات العلمية" الى أن القطيعة الابستمولوجية تعني الانتقال من نموذج تفسيري إلى نموذج آخر مغاير أو من براديغم إلى براديغم مغاير ( البراديغم عنده هو النموذج التفسيري الارشادي لكل العلوم).
الاشكالية: هل يمكن للعلم أن يستوفي بالفعل صورة الواقع ? ما هي حدود النمذجة العلمية في مقاربتها للواقع ?
التحليل:
1ـ استبعاد الأطروحة التي تقول بقدرة العلم على استيفاء الواقع:لقد اعتبر الموقف التجريبي أن العلم يمكنه أن يصف ما هو موجود داخل الواقع حيث أن العلم هو صورة مباشرة للواقع العيني هذا الاعتقاد كان سائدا خاصة في الفيزياء الكلاسيكية (أي فيزياء القرن السابع عشر الى حدود التاسع عشر) التي كانت تعتمد في تفسيرها للظواهر الطبيعية على العلاقات السببية والحتمية أو على مفهوم الحقيقة كما ساد الاعتقاد بأن العلم يمكنه أن يستوفي صورة الواقع خاصة و أن العلم كان يتعامل مع المواضيع القابلة للملاحظة و التجربة فهو يستطيع أن يلم بكل الظاهرة المدروسة اذ أن مهمة العلم هي الكشف عن العلاقات السببية التي تحكم الظواهر الطبيعية. لكن ما الذي أجبرنا على مراجعة تصورنا لعلاقة العلم بالواقع ?2ـ المراجعة النقدية لعلاقة العلم بالواقع :يبين الكاتب أن ظهور الفيزياء الأساسية و هي فيزياء الجزيئات قد أفضى الى تأسيس المجال الميكروفيزيائي و هو مجال جديد لم يتعود عليه العلم حيث أن فيزياء الجزيئات قد كشف أن الذرة ليست أصغر الأجسام و إنما تتكون من جسيمات صغرى لا مرئية لا يمكن ادراكها إلا بالمجهر هذا الواقع الجديد قد أدى إلى انهيار التصور الميكانيكي الذي كان سائدا . ان هذه التحولات العلمية قد أفضت الى تبعات ابستمولوجية على مستوى تصورنا لعلاقة العلم بالواقع مما جعلنا نعيد النظر في قدرة النمذجة العلمية اليوم .3ـ حدود النمذجة العلمية في مقاربتها للواقع :لقد اعتبر 
برنار دي اسبانا أن الواقع ليس هو الواقع المرئي فحسب بل يوجد أيضا الواقع اللامرئي و هو واقع بعيد عن التفسير العلمي و لا يمكن الامساك به لأنه ليس المعطى المباشر بل هو صورة له و هذا ما يؤكده بقوله "إن الواقع في ذاته واقع متستر" ان مثل هذا القول يحيلنا إلى أن العلم ليس هو الواقع كما كان يعتقد الموقف التجريبي فالعلم اليوم ليس سوى وصفات للواقع أي هو صورة تقريبية و قد اعتمد الكاتب على حجة بالمماثلة فكما أن الفنوغراف أو القرص الموسيقي ليس هو الحفل الموسيقي في حد ذاته بل هو صورة لهذا الحفل فكذلك العلم ليس هو الواقع في حد ذاته بل هو صورة تقريبية له و في هذا السياق يقول الفيزيائي المعاصر لوي دي بروى " ان كل عملية تحقق تنطوي على قدرة من التقريب". هكذا يكشف الكاتب من زاوية ابستمولوجية  عن حدود النمذجة العلمية في مقاربتها للواقع فالعلم لا يمكنه أن يستوفي صورة الواقع و في هذا السياق أيضا بين بول ريكور أن للعقل العلمي مزاعم أنطولوجية فالعلم عندما يدعي القدرة على مقاربة الواقع فانه يسقط في أنطولوجيا جديدة لأن الواقع متستر و خفي.اذا كان للنمذجة العلمية حدودا ابستمولوجية أي معرفية في علاقتها بالواقع، فكيف تبدو هذه النمذجة في علاقتها بالإنسان، هل أن العلم اليوم قادر على الاهتمام بالمعنى و بالقيم في الوقت الذي يسعى فيه الى النجاعة و الاختزال و التبسيط ? هل ان العلم اليم قادر على تحقيق مطلبه الاساسي و هو الحياد في الوقت الذي نشهد فيه تحالفا بين العالم و السياسي ?
2/ الحدود الفلسفية:
أـ الوجه الإنساني للنمذجة العلمية:النص: " الوجه الإنساني للعلم " لـ : لوي دي بروي
الأطروحة:للعلم وجهان  الرغبة في الاكتشاف و المعرفة .لقد كشف 
لوي دي بروي أن العلم يتضمن البعد النظري فيتمثل في النظريات العلمية و أما الوجه العلمي التطبيقي فهو يكشف عن تحويل النظرية الى تطبيقات تقنية لأن العلم في الواقع له أهداف انسانية و هذا الموقف دافعت عنه أيضا الأطروحة الوضعية و نعني بالوضعية هي تيار فكري تأسس مع عالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت يعتقد أن العلم هو المعرفة النموذجية التي يجب أن نعتقد فيها و ما سواها فهو وهم حيث اعتبرت الوضعية أن العلم هو شرط تقدم الانسان و هو معرفة نموذجية و ذلك بالاستناد الى المبررات التالية :ـ المبرر النظري : يعتبر أوغست كونت أن العقل البشري هو عقل تطويري فالوعي الانساني اذا في تطوره مر بثلاث مراحل : ← المرحلة اللاهوتية : وعي أسطوري.                                      ← المرحلة الميتافيزيقية : بداية اعمال العقل " الفلسفة "
                                      ← المرحلة الوضعية : العلم " نموذج " : اكتمال العقل.يقول  
أوغست كونت " إن العلم هو أرقى انجاز للعقل البشري "ـ المبرر العلمي : كشف أوغست كونت أن العلم مكن الانسان من التحكم في الطبيعة و السيطرة عليها حيث أننا بواسطة العلم أصبحنا نتوقع الظاهرة قبل حدوثها و نتمكن من السيطرة عليها . يقول : " بالعلم يكون التنبؤ و بالتنبؤ يكون العمل " هكذا راهنت الوضعية حتى في أشكالها المعاصرة على قيمة العلم في تحقيق التقدم و الرفاهية لأن مطلب العلم الحقيقي هو النجاعة الى جانب اكتشاف الحقيقة و هذا ما جعل الاتجاهات الوضعية تعتبر أن العلم هو سبيل الانسان للخلاص من أوهامه . و لكن ما هو ثمن النمذجة العلمية في علاقتها بالانسان و خاصة من جهة أبعاده القيمة ? هل تقتضي النمذجة الاغراق في التبسيط و الاختزال نسيان الانسان و قضايا المعنى ?لا شك في أن النمذجة العلمية اتجهت الى الاختزال و التبسيط كما ذهب الى ذلك باسكال نوفال عندما تبين كيف أن النمذجة تهدف الى تحقيق الموضوعية و النجاعة و هما من المقومات الأساسية لكل نموذج علمي .ـ مقومات النمذجة العلمية و أهدافها :← الاختزال = البعد التركيبي , الأكسمة , الصورية .← التبسيط = الفهم , التفسير .← الموضوعية / الحياد = الفصل بين الذات ـ الجوانب الشخصية مثل الانتماء الديني أو السياسي ... ـ  و الموضوع المدروس  .الحياد : تحديد الجوانب الذاتية .ـ النجاعة : استغلال النظريات العلمية في التطبيقات التقنية من أجل تحقيق الرغبات المادية و الحاجات اليومية للإنسان : الرفاهية , السعادة , الحرية .
=>تغييب الأبعاد القيمية , الأبعاد الجمالية , التأويل , انتاج المعنى .=>حدود النمذجة العلمية .فهل يمكن للنمذجة العلمية بالفعل نسيان مطلب المعنى أم أن هذا المطلب هو حاضر بكثافة بالرغم من تأكيدات الوضعية ?عن هذا السؤال 
ج لويس لومانيو  يجيبنا
ب / العلم بين الحياد و اشكالية المعنى و الاديولوجيا :النص : " النمذجة و سؤال المعنى " 
ل : ج . ل . لوموانيه .حوار حول النمذجة  : ان كانت النمذجة العلمية تقصي المعنى ( المقاصد و الغايات ) وكل ماهو ايتيقي واستيتيقي.إجابة لومانيو :للنماذج العلمية مقاصد و غايات = لكل نموذج مقصد
ـ لقد كشف لوموانيو في كتابه " البنائية " أن النمذجة العلمية كما أرادتها الاتجاهات الوضعية اتجهت نحو الاختزال و الصورية و الموضوعية و النجاعة اذ تقوم على اقصاء قضايا المعنى و القيمة و الجمال و التأويل الى درجة أن العلم تحول إلى " أبنية خاوية " على حد تعبير 
ادغارموران ففي تقدير لوموانيو فان النمذجة العلمية لا يمكنها أن تقصي مطلب المعنى فالمنمذج دائما في عملية بنائه لنموجه يستحضر قضايا المعنى و مثل ذلك تعتمد النماذج العلية ليس سوى تعدد المعاني و المقاصد فاذا سلمنا بأن النموذج العلمي هو بناء افتراضي و أن الواقع هو ما يبينه العالم فإن هذه البناءات هي انشاء لمعاني و مثال ذلك واقع بنية الذرة فكل الفيزيائيين لم يتمكن من معرفة واقعها في حد ذاتها فقط ما قدمه هؤولاء هو تأويلات حول حقيقتها هم لم ينشؤوا سوى معاني حول الذرة مثال ذلك نماذج كل من روثور فورد و ن.بوهر و هيزبنورغ
فكل نموذج يعطي تصورا انشائيا لواقع بنية الذرة اذا مهما ادعت الوضعية بأن النمذجة العلمية تقصي المعنى فإنه يبقى ادعاء باطل . و ما النمذجة في العلم إلا تأويلات قصدية .و خاصة تتجلى في البعد التداولي لهذه النماذج فلكل نموذج غاية تداولية .
تذكير : الحد الفلسفي:
النص : "العلم و التقنية و السياسة". لـ : 
ادغار موران .يحاور ادغار موران الأطروحات التي تزعم حياد العلم و التقنية عن الاديولوجيا و السياسة حيث تعتبر أن العلم محايد و أن التقنية متعددة الأوجه و المشكل يكمن في السياسة ان العلم محايد و في صالح الانسان و هذا يعني أن المعرفة العلمية هي معرفة ايجابية مقابل " السياسة الآثمة " على حد قول عالم الاجتماع المعاصر آلان توران كما ذهب كارل بوبار الى القول بالاستقلالية البحث العلمي حيث تبين أن الخطر الحقيقي ليس في العلم بل في السياسة ذلك أن رجل العلم ليست له سلطة . لكن الى أي حد يمكن التسليم بحياد العلم و التقنية يجيب ادغار مورانبالتأكيد على وهم حياد العلم حيث تبين أنه توجد صلة قوية بين العلم و السياسة يقول " فثمة من الآن فصاعدا تفاعل لا مثيل له بين البحث و القوة " و يعطي الكاتب مثالا يبين من خلاله دور و فاعلية رجل العلم في المجال السياسي : عندما طلبأنشتاين من الرئيس روز فلت صنع القنبلة النووية الحرارية . ان العلم اليوم في تقدير ادغار موران قد أدى بالإنسانية الى السقوط في عصر اللا مسؤولية المعمّمة أي الفصل بين العلمي و الأيتيقي من أجل تحقيق الموضوعية و النجاعة و في هذا السياق قد بين هابرماس في كتابه "العلم و التقنية" ان العلم أنتج بربرية مدمرة أنتج سلطة جبارة اتجهت الى تهديد ما هو انساني في الانسان حيث أصبح العلم اليوم أداة لموضعة و تشيئة الانسان ان هذا المشروع أدى الى تفقير الانسان من أبعاده الانسانية حيث حول العلم و التقنية في خدمة المؤسسة السياسية. اذا العلم ليس محايدا فهو الذي أسقط الانسان اليوم في وحشية جديدة.فهل من خلاص من همجية و وحشية العلم ? يجيبنا ادغار موران من خلال مقترح قدمه في كتابه " الليتيقا"ما يسميه  "مشروع الايتيقا المركبة" غايتها تخليص الانسان من وضعية الهمجية التي أنتجتها اليوم التقننية و المعرفة العلمية و يعني بالايتيقا المركبة هو أن يلتقي الانسان مع ذاته و مع الآخر و يلتقي في علم مع الاخلاق في عصر اتجه فيه العلم و العلماء الى التغافل عن أدوارهم الانسانية فالعلماء " لا يفقهون ما يصنعون " على حد قول بول فاليري.                  

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم