الموضوع: هل ينبغي أن نخشى الدّولة اليوم أم نخشى انعدامها؟

 
أولا: العمل التّحضيري

I
ـ الدلالات المباشرة للموضوع

1
ـ المبحث: في جدوى الدولة اليوم
2
ـ المفاهيم:
ـ هل: أداة استفهام تحيل إلى مفارقة تتضمن الإمكان وعدم الإمكان.
ـ ينبغي: يلزم أو يجب.
ـ نخشى: الخشية هي الخوف من الشيء.
ـ الدّولة: هي من الناحية الاصطلاحية تعني في اللّسان العربي التداول بمعنى التغير والتناوب أمّا في اللاّتينية تعني كلمة (ETAT) الثبات والنظام الذي يشارك فيه المواطن في إدارة الشؤون السياسية للمجتمع المدني.
وبهذا تكون الدّولة عبارة على جمع من الناس يعيشون في رقعة جغرافية تحكمهم سلطة سياسية ذات سيادة قانونيّة تمارسها على رعاياها من أجل حفظ أمنهم واستقلالهم وترعى مصالحهم.
ـ انعدامها: المقصود به زوال الدّولة وغيابها.
ـ اليوم: مفهوم رئيسي في الموضوع، لأنّه يحيل إلى إطار تاريخي معاصر (راهن).
3
ـ طبيعة الموضوع: موضوع في صيغة مفارقة قصد تجاوز تناقض ظاهري.

II
ـ ضمنيات الموضوع:

1
- مراحل البرهنة:
 
دواعي التظنّن على الدّولة
أ ـ الأسباب الحضارية الدّاعية إلى مراجعة الدّولة وأبعادها الثقافيّة، الإيتيقيّة، القانونيّة.
ب ـ الأفق التاريخية الاقتصادية وحتميّة زوالها.
 
الخشية من زوال الدّولة.
أ ـ ارتباط مفهوم الدّولة بالأمّة والهوية والتاريخ.
ب ـ الدّولة بين فخّ العولمة ومطلب الكونيّة.
2)
الإشكاليّة:
إذا كانت الدّولة أساسًا لتنظيم الوجود الاجتماعي للإنسانيّة، فهل هي ضرورة ملازمة للمجتمع المدني اليوم أم أن غيابها يجسّم رهان تحرّر الإنسانيّة من سلطانها؟
ما دواعي التظنن على الدّولة؟
هل تعيش اليوم الدّولة أزمة فعليّة أم مفتعلة؟
وإلى أي مدى يقوم مجتمع مدني بمعزل عن الدّولة؟
هل أنّ التفكير في إزاحة الدّولة تجسيم لرهان الكونيّة والمواطنة العالمية أم هو فخّ تنصبه العولمة لطمس الهوية وتكريس النمطيّة الثقافيّة والهيمنة على الشعوب؟
3
ـ المرجعيات المحتملة من الموضوع:
هابرماس / كانط /  ماركس وانقلس
حنا أرنت / سميرأمين / كاستيلاس
 
ثانيا الإنجاز: يتضمّن المقدّمة بشقيها التمهيدي والإشكالي والجوهر والنقاش والخاتمة
[
ملاحظة: أرجئت المقدّمة إلى آخر العمل حتى تصاغ بعد تمثل كامل للموضوع]
مقدّمة الجوهر وهي مرحلة تمهيدية تمكّن من الولوج في الموضوع
يمكن الانطلاق من التحديد المفهومي للدّولة كتعريف أولي ثمّ الولوج في الموضوع عبر تناول التّحديد الوظيفي للمفهوم والذي يحيل إلى سجل تظنني نراجع من خلاله جدوى الدّولة اليوم (راجع مفهوم الدولة المذكور في العمل التحضيري).
لحظة أولى:
ما دواعي التّظنّن على الدّولة؟ وماهي الأسباب الحضارية الدّاعية لذلك؟
أ ـ الوضع السّياسي الرّاهن وما يرافقه من عنف وحروب وأزمات اقتصادية.
ب ـ تلازم الاستعمار وسعي الإمبريالية إلى التوسع والسيطرة وذلك ما عبر عنه سمير أمين بقوله «الاستعمار مرحلة دائمة للرّأسماليّة» مما يؤكد التناقض القائم بين طببيعة الرّأسمالية التي ليس لها وطن والدّولة  كرمز للمواطنة.
ج ـ الاستعداد للعنف عبر التّسابق على الأسلحة وتعزيز الترسانة النوويّة.
كل ذلك يدفع إلى مراجع الدّولة والتساؤل عن جدوى الحلّ «الكانطي» المقدّم في «نحو سلام دائم» أي أنّ التناقضات القائمة اليوم تعود بالأساس إلى قيام الدّولة، وبصيغة أخرى يكون غياب الدّولة شرطا لتجاوز عنف الإنسان على الإنسان.
لحظة ثانية:
ماهي الأسس الإيتيقية والحقوقية لتجاوز نظام الدّولة؟
يدعو «هابرماس» إلى مراجعة المشروع الكانطي الذي لم يشهد حروب عالميّة، ولا الإرهاب بصيغته المعاصرة وبذلك كان الصّراع قبل قرنين قائما بين دول محدودة لذا كان المشروع «الكانطي» يعتبر السّلم حفاظا على «الدّولة الجمهورية» التي هي فضاء الدّيمقراطية، وأنّ الحديث عن إنسانيّة كونية يستوجب قيام نظام «كوسموسياسي» (cosmopolitique)، بحيث يقوم دستور بين حكومات وليس بين أفراد ولهذا بين كانط أن «الشعوب تؤلف عددًا من الدّول المختلفة من غير أن تمتزج في دولة واحدة» لذلك نجده يعنون البند النهائي الثاني بالصيغة التاليّة «يتأسس الحق العام على فيدرالية دول حرّة» لذلك يؤكد «هابرماس» أن «كانط» لم يرتق الى فكرة المواطنة العالمية (cosmopolite) ، وأن ما قدّمه «كانط» حول السّلام الدّائم كان مرتبطا بالوثوق في «الفضاء العمومي» وقدرة الفيلسوف على إقناع رجال السّياسة، ولكن ذلك لا معنى له اليوم بسبب تدخل وسائل الإعلام في توجيه الخطاب وتوظيفه بطرق مختلفة تحمل أوجه المغالطة بأشكال عدّة.
فلا يمكن أن يزول العنف بتقديم خطاب اخلاقي يدعو الناس إلى التفاهم ووضع ضواط قانونية لإدارة الدّولة الفيدرالية المتكونة من دول. ولا غرابة أن نجد إحدى الصحف الأمريكية تعنون مقالا بالصيغة التاليّة: «في  السابق كان الحكام يقتلون الفلاسفة، واليوم لا يقتلونهم لأنّه لم يعد هنالك جدوى من قتل الموتى».
فدور الفيلسوف لم يعد فاعلا كما كان في عصر التنوير وأن التغيير السّياسي يستوجب توفر آليات فعليه تمكن من تحقيق الغرض المنشود وهو السّلام، وذلك بقيام مواطنة عالميّة تحقق اتحاد الأفراد وقيام «الحق الدولي الذي يستطيع كل شخص المطالبة به، بماهو كائن انساني» بعبارة «هابرماس»، راجع مقال لأم الزين بن شيخة بعنوان «كانط في فضاء هابرماس» على الأنترنات (مدونات مكتوب)
إن هذا الحق يجرّر الفرد من هيمنة سلطة الدّولة المطلقة فيصبح نظام الدّولة خاضعا لهيئات قانونيّة عالمية. فيصير بذلك المواطن العالمي عنوانا لتحرّر الإنسان بالمعنى الكلّي، ولكن كيف يغدو سلطان الدّولة؟ يقول «هابرماس»: «تتحوّل الدّولة الخاصة إلى مجرّد كفاءة بعض الأشخاص المعيّنين الذين لهم دور مزدوج يتمثل في الوظيفة الدّولية والوظيفة الوطنيّة» ذلك هو الحلّ الأمثل لسلم دائمة. ولكن نقد «هابرماس» لفيدراليّة «كانط» يكشف عن حدود الخطاب الأخلاقي في تغيير الواقع السّياسي. ويوجد «هابرماس» الحلول الإتيقيّة التي تمكّن من تجاوز حالة العنف مؤكدًا أن مشروع السّلام الدّائم يتزامن بالضرورة مع صدّ العقل الأداتي الذي يتعلق على ذاته ويكرس سيادة نموذج نسقي تكنوقراطي كلياني ويكرس الإستبداد خدمة للدّولة الأمّة ومصالحها، في غياب كل أفق ايتيقي، ودون اعتبار للتواصل، ومقابل ذلك يدعو «هابرماس» الى عقل تواصلي Raison) (comminicationelle يمكن من الإنفتاح على الإختلاف والتنوع وقبول الحوار في غياب حسابات الإستراتيجيا التي هي ضرورة من ضرورات الدّولة «في الخطاب غير الإكراهي تهيمن قوّة الحجّة الأفضل».
إن اعتماد إيتيقا الحوار يحد بالضرورة من دور الإعلام السّياسي الموجه الذي يسوّق «للغباء المبرمج» بعبارة «تيودور أدرنو» ويفضح المتاجرة بالقيم الذي غالبا ما يسيطر على خطاب الدولة.
 
إن زوال الدّولة يمثّل رهان التحرّر  من العنف والتناقضات التي تتضرّر منها الشعوب وليس الحكام، وربما ذلك ما جعل «ماركس» يقول «الجنود هم عمّال في معاطف عسكرية».
لحظة ثانية:
ممّا يؤكد أن التناقض بين الدّول لا يخدم سوى مصالح طبقيّة تحت قناع ايديولوجي.
 
فماهي الاعتراضات التاريخية على كيان الدّولة؟
إذا كان ظهور الدّولة مقترنا بظهور الملكية الفردية والتقسيم الطبقي للعمل فإنها ستكون بمثابة الجهاز المحافظ على مصالح الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج، وبذلك نتطرق إلى دولة العبوديّة ثمّ دولة الإقطاعيين ضدّ الأقنان ودولة البورجوازية ضدّ العمّال، ويكشف تاريخ الإنسانية أن «الدّولة أداة قسر طبقي» بعبارة «لينين»، وأن قوانينها ليست محايدة، بل تتظاهر بذلك ولكنها مورطة في الانحياز الطبقي...
وبما أنّ الصّراع الطبقي محرّك التّاريخ فإن كل تبدّل في علاقات الإنتاج يشهد شكلا جديدا للدّولة وصولا إلى الدولة البورجوازية ثمّ الدولة الإمبرياليّة، فهل يتوقف التاريخ عند هذا العصر؟ يقول «سمير أمين»: «الرّأسمالية لا تمثل نهاية التاريخ. ولابد من إحلال نظام آخر محلّها». (راجع نصّ سمير أمين كتاب الرابعة آداب ص 181 الجزء الأول).
إنّ هذا الفهم يدعو إلى التنبّئ بحتميّة زوال الدولة، لا سيما وأن مشاكل الإنسانيّة اليوم أصبحت متخذة للصفة البنيوية. ويمكن أن نختزلها في العناوين التاليّة:
 
تراكم رأس المال في دول المركز وفقر دول الأطراف يقلل الطلب ويفرض أزمة اقتصاديّة.
 
دخول عصر «الرّوبوتية» وتفاقم البطالة بإحلال الآلة محل العامل.
 
التسابق على الأسلحة.
 
الانفجار الديموغرافي وتأخر الوفايات بسبب تطور التقنيات الطبيّة...
كل ذلك يدعو بالضرورة إلى اعادة توزيع الثروة وإقامة نظام عالمي جديد خال من العنف وربما ذلك ما دعت له الماركسيّة حين تنبأت بحتميّة زوال الدّولة، بحيث يتم ذلك بشكل تدريجي عندها تسود «الأممية البروليتارية» بمعنى أن تقوم إدارة عالمية وتفقد الدّولة مبرّرات  وجودها يقول «انقلز» «إن ماكينة الدولة ستؤول إلى الموقع الذي سيصبح منذ الآن هو موضعها اي متحف الأثريات بجانب العجلة والفأس». (راجع كتاب: أصل العائلة والملكيّة الخاصة والدّولة).
 
لحظة النقاش وإبداء الرّأي
ولكن يبدو أن هذا المطلب بعيد المنال في عصر يراوده هاجس العنف ممّا يؤدي بالضرورة إلى الارتياب من فكرة  زوال الدّولة، فهل يكون التظنن على الدّولة مطلبا تسعى له الإنسانيّة سعيا إلى الكونيّة أم هو محاولة استعمارية تسعى العولمة لتحقيقها؟
 
بالرغم من التجانس الثقافي الذي تفرضه وسائل الاتصال وبالرّغم من الهجرة التي تفرض التثاقف والانصهار الثقافي فإن التخوف من العولمة له مبرّراته.
فحين نجد «ستيفان كاستيلاس» يقول: «يلزمنا نموذج جديد للمواطنة العالميّة يحــطم الرّابطة بين الانتماء والإقليمية» (راجع كتاب العلوم ص 317). فإن ذلك يدعو إلى الخوف من اندثار الهوية لأنّ الدّولة رمز الهوية والتاريخ، إذ غالبا ما نجد اعتقادًا يؤكد أنّ المساس بالدولة الوطن تهديدًا للخصوصيّة.
 
وجود مغالطة بين العولمة التي هي عولمة المصالح، والكونيّة التي هي كونيّة القيم. ويبين «بودريار» «عولمة التبادلات تضم نهاية لكينونة القيم».
وهذا ما يجعل الإنسانيّة تخشى من شعارات الدّيمقراطية التي تحجب المفهوم الحقيقي لهذه الفكرة يقول «بودريار»: «الكوني نفسه تعولم، والدّيمقراطية وحقوق الإنسان تعبر الحدود كأي نتاج عالمي، كالنفط أو رؤوس الأموال«.
 
لقد أصبح الدّفاع عن كيان الدّولة مقترنا بالمسألة الوطنيّة، وهذا مشروع في عصر الإمبرياليّة، ومن ثمّة يقوم التمسك بدولة حقوق الإنسان، أيّ تلك التي تستمد مشروعيتها من مبادئ حقوق الإنسان كما تبيّن «حنا أرنت»: «صارت مسألة حقوق الإنسان كلّها مقترنة بمسألة التحرّر الوطني اقترانا يعسر فكّه» فلا يمكن الحديث عن مواطنة عالميّة في عصر لم تجد فيه الشعوب حقوق المواطنة داخل دولتها.
 
الخاتمة:
إن التفكير في جدوى الدّولة اليوم يدفعنا إلى التمسّك بحق الإنسان في الكرامة والحرّية والديمقراطيّة، وفي أن يكون غاية كلّ عملية سياسية وغاية كلّ القوانين وذلك ما يحدّ من حجة القوّة لتتفوق قوّة الحجة.
 
المقدّمة:
يمكن للتلميذ أن ينطلق من التمهيد التالي:
 
إنّ الانتماء إلى المجتمع يدفع بالضرورة إلى قيام تنظيم حقوقي يسوس الحياة الاجتماعية وتعتبر الدولة أرقى أشكال هذا التنظيم.
 
إثارة المشكل:
بدت الدّولة صفة ملازمة للمجتمع المدني، ولكنّ تطور الحضارة الإنسانية سيكشف حدود فاعلية الدّولة في تجسيم مطلب الكونيّة وانفتاح الحضارات على بعضها.
(الإشكاليّة راجع العمل التحضيري).

ليست هناك تعليقات:

للتواصل معنا

kassebi.chedli@gmail.com

التوقيت بالعالم